( باب النهى عن الحديث بكل ما سمع )
 
[ 5 ] فيه خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع وفى الطريق الآخر عن خبيب أيضا عن حفص عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه و سلم بمثل ذلك وعن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع وفيه غير ذلك من نحوه أما أسانيده فخبيب بضم الخاء المعجمة وقد تقدم فى آخر الفصل بيانه وأنه ليس فى الصحيحين خبيب بالمعجمة الا ثلاثة هذا وخبيب بن عدى وأبو خبيب كنية بن الزبير وفيه هشيم بضم الهاء وهو بن بشير السلمى الواسطى أبو معاوية اتفق أهل عصره فمن بعدهم على جلالته وكثرة حفظه واتقانه وصيانته وكان مدلسا وقد قال فى روايته هنا عن سليمان التيمي وقد قدمنا
(1/72)

فى الفصول أن المدلس اذا قال عن لا يحتج به الا أن يثبت سماعه من جهة أخرى وان ما كان فى الصحيحين من ذلك فمحمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وهذا منه وفيه أبو عثمان النهدى بفتح النون واسكان الهاء منسوب إلى جد من أجداده وهو نهد بن زيد بن ليث وأبو عثمان من كبار التابعين وفضلائهم واسمه عبد الرحمن بن مل بفتح الميم وضمها وكسرها واللام مشددة على الاحوال الثلاث ويقال ملء بكسر الميم واسكان اللام وبعدها همزة وأسلم أبو عثمان على عهد النبى صلى الله عليه و سلم ولم يلقه وسمع جماعات من الصحابة وروى عنه جماعات من التابعين وهو كوفى ثم بصرى كان بالكوفة مستوطنا فلما قتل الحسين رضى الله عنه تحول منها فنزل البصرة وقال لا أسكن بلدا قتل فيه بن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وروينا عن الامام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال لاأعلم فى التابعين مثل أبى عثمان النهدى وقيس بن أبى حازم ومن طرف أخباره ما رويناه عنه أنه قال بلغت نحوا من ثلاثين ومائة سنة وما من شيء الا وقد أنكرته الا أملى فانى أجده كما هو مات سنة خمس وتسعين وقيل سنة مائة والله أعلم وفى الاسناد الآخر عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبى إسحاق عن أبى الاحوص عن عبد الله أما عبد الرحمن فابن مهدى الامام المشهور أبو سعيد البصرى وأما سفيان فهو الثورى الامام المشهور أبو عبد الله الكوفى وأما أبو إسحاق فهو السبيعى بفتح السين واسمه عمرو بن عبد الله الهمدانى الكوفى التابعى الجليل قال أحمد بن عبد الله العجلى سمع ثمانية وثلاثين من أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم وقال على بن المديني روى أبو إسحاق عن سبعين أو ثمانين لم يرو عنهم غيره وهو منسوب إلى جد من أجداده اسمه السبيع بن صعب بن معاوية وأما أبو الاحوص فاسمه عوف بن مالك الجشمى الكوفى التابعى المعروف لأبيه صحبة وأما عبد الله فابن مسعود الصحابى السيد الجليل أبو عبد الرحمن الكوفى وأما بن وهب فى الاسناد الآخر فهو عبد الله بن وهب بن مسلم أبو محمد القرشى الفهرى مولاهم البصرى الامام المتفق على حفظه واتقانه
(1/73)

وجلالته رضى الله عنه وفى الاسناد الآخر يونس عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أما يونس فهو بن يزيد أبو يزيد القرشى الأموى مولاهم الايلى بالمثناة من تحت وفى يونس ست لغات ضم النون وكسرها وفتحها مع الهمز وتركه وكذلك فى يوسف اللغات الست والحركات الثلاث فى سينه ذكر بن السكيت معظم اللغات فيهما وذكر أبو البقاء باقيهن وأما بن شهاب فهو الامام المشهور التابعى الجليل وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحرث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى أبو بكر القرشى الزهري المدنى سكن الشام وأدرك جماعة من الصحابة نحو عشرة وأكثر من الروايات عن التابعين وأكثروا من الروايات عنه وأحواله فى العلم والحفظ والصيانة والاتقان والاجتهاد فى تحصيل العلم والصبر على المشقة فيه وبذل النفس فى تحصيله والعبادة والورع والكرم وهوان الدنيا عنده وغير ذلك من أنواع الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يشهر وأما عبيد الله بن عبد الله فهو أحد الفقهاء السبعة الامام الجليل رضى الله عنهم أجمعين وأما فقه الاسناد فهكذا وقع فى الطريق الأول عن حفص عن النبى عليه السلام مرسلا فان حفصا تابعى وفى الطريق الثانى عن حفص عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه و سلم متصلا فالطريق الاول رواه مسلم من رواية معاذ وعبد الرحمن بن مهدى وكلاهما عن شعبة وكذلك رواه غندر عن شعبة فأرسله والطريق الثانى عن على بن حفص عن شعبة قال الدارقطنى الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ وبن مهدى وغندر قلت وقد رواه أبو داود فى سننه أيضا مرسلا ومتصلا فرواه مرسلا عن حفص بن عمر النميرى عن شعبة ورواه متصلا من رواية على بن حفص واذا ثبت أنه روى متصلا ومرسلا فالعمل على أنه متصل هذا هو الصحيح الذى قاله الفقهاء وأصحاب الاصول وجماعة من أهل الحديث ولا يضر كون الأكثرين رووه مرسلا فان الوصل زيادة من ثقة وهى مقبولة وقد تقدمت هذه المسألة موضحة فى الفصول السابقة والله اعلم وأما قوله فى الطريق الثانى ( بمثل ذلك ) فهي رواية صحيحة وقد تقدم فى الفصول
(1/74)

بيان هذا وكيفية الرواية به وقوله ( بحسب المرء من الكذب ) هو باسكان السين ومعناه يكفيه ذلك من الكذب فانه قد استكثر منه وأما معنى الحديث والآثار التى فى الباب ففيها الزجر عن التحديث بكل ما سمع الانسان فانه يسمع فى العادة الصدق والكذب فاذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لاخباره بما لم يكن وقد تقدم ان مذهب أهل الحق أن الكذب الاخبار عن الشيء بخلاف ماهو ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شرط فى كونه اثما والله أعلم وأما قوله ( ولا يكون اماما وهو يحدث بكل ما سمع ) فمعناه أنه حدث بكل ما سمع كثر الخطأ فى روايته فترك الاعتماد عليه والاخذ عنه وأما قوله ( أراك قد كلفت بعلم القرآن ) فهو بفتح الكاف وكسر اللام وبالفاء ومعناه ولعت به ولازمته قال بن فارس وغيره من أهل اللغة الكلف الايلاع بالشيء وقال أبو القاسم الزمخشرى الكلف الايلاع بالشيء مع شغل قلب
(1/75)

ومشقة وأما قوله ( اياك والشناعة فى الحديث ) فهي بفتح الشين وهى القبح قال أهل اللغة الشناعة القبح وقد شنع الشيء بضم النون أى قبح فهو أشنع وشنيع وشنعت بالشيء بكسر النون وشنعته أى أنكرته وشنعت على الرجل أى ذكرته بقبيح ومعنى كلامه أنه حذره أن يحدث بالاحاديث المنكرة التى يشنع على صاحبها وينكر ويقبح حال صاحبها فيكذب أو يستراب فى رواياته فتسقط منزلته ويذل فى نفسه والله سبحانه وتعالى أعلم