باب بيان الصلوات التى هي أحد أركان الاسلام
 
( باب بيان الصلوات التى هي أحد أركان الاسلام فيه قتيبة بن سعيد الثقفى اختلف فيه فقيل قتيبة اسمه وقيل بل هو لقب واسمه علي قاله أبو عبد الله بن منده وقيل اسمه يحيى قاله بن عدى وأما قوله الثقفى فهو مولاهم قيل ان جده جميلا كان مولى للحجاج بن يوسف الثقفى وفيه أبو سهيل عن أبيه اسم أبى سهيل نافع بن مالك بن أبى عامر الأصبحى ونافع عم مالك بن أنس الامام وهو تابعى سمع أنس بن مالك قوله ( رجل من أهل نجد ثائر الرأس ) هو برفع ثائر صفة لرجل وقيل يجوز نصبه على الحال ومعنى ثائر الرأس قائم شعره منتفشه وقوله ( نسمع دوى صوته ولا نفقه ما يقول ) روى نسمع ونفقه بالنون المفتوحة فيهما وروى بالياء المثناة من تحت المضمومة فيهما والاول هو الاشهر الأكثر الاعرف وأما دوى صوته فهو بعده فى الهواء ومعناه شدة صوت لا يفهم وهو بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء هذا هو المشهور وحكى صاحب المطالع فيه ضم الدال أيضا قوله ( هل على غيرها قال لا الا أن تطوع ) المشهور فيه تطوع بتشديد الطاء على ادغام احدى التاءين فى الطاء وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى هو محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف قال أصحابنا وغيرهم من العلماء )
(1/166)

قوله صلى الله عليه و سلم الا أن تطوع استثناء منقطع ومعناه لكن يستحب لك أن تطوع وجعله بعض العلماء استثناء متصلا واستدلوا به على أن من شرع فى صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه اتمامه ومذهبنا أنه يستحب الاتمام ولا يجب والله أعلم قوله ( فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفلح ان صدق ) قيل هذا الفلاح راجع إلى قوله لا أنقص خاصة والا ظهر أنه عائد إلى المجموع بمعنى أنه اذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لأنه أتى بما عليه ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس فى هذا أنه اذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لأن هذا مما يعرف بالضرورة فانه اذا أفلح بالواجب فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى فان قيل كيف قال لا أزيد على هذا وليس فى هذا الحديث جميع الواجبات ولا االمنهيات الشرعية ولا السنن المندوبات فالجواب أنه جاء فى رواية البخارى فى آخر هذا الحديث زيادة توضح المقصود قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم بشرائع الاسلام فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى على شيئا فعلى عموم قوله بشرائع الاسلام وقوله مما فرض الله على يزول الاشكال فى الفرائض وأما النوافل فقيل يحتمل أن هذا كان قبل شرعها وقيل يحتمل أنه أراد لا أزيد فى الفرض بتغيير صفته كأنه يقول لا أصلى الظهر خمسا وهذا تأويل ضعيف ويحتمل أنه أراد أنه لا يصلى النافلة مع أنه لا يخل بشيء من الفرائض وهذا مفلح بلا شك وان كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة وترد بها الشهادة الا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج والله أعلم واعلم انه لم يأت فى هذا الحديث ذكر الحج ولا جاء ذكره فى حديث جبريل من رواية أبى هريرة وكذا غير هذا من هذه الأحاديث لم يذكر فى بعضها
(1/167)

الصوم ولم يذكر فى بعضها الزكاة وذكر فى بعضها صلة الرحم وفى بعضها أداء الخمس ولم يقع فى بعضها ذكر الايمان فتفاوتت هذه الاحاديث فى عدد خصال الايمان زيادة ونقصا واثباتا وحذفا وقد أجاب القاضي عياض وغيره رحمهم الله عنها بجواب لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى وهذبه فقال ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه و سلم بل هو من تفاوت الرواة فى الحفظ والضبط فمنهم من قصر فاقتصر على ما حفظه فأداه ولم يتعرض لما زاده غيره بنفى ولا اثبات وان كان اقتصاره على ذلك يشعر بأنه الكل فقد بان بما أتى به غيره من الثقات أن ذلك ليس بالكل وأن اقتصاره عليه كان لقصور حفظه عن تمامه ألا ترى حديث النعمان بن قوقل الآتى قريبا اختلفت الروايات فى خصاله بالزيادة والنقصان مع أن راوي الجميع راو واحد وهو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قضية واحدة ثم ان ذلك لا يمنع من ايراد الجميع فى الصحيح لما عرف فى مسألة زيادة الثقة من أنا نقبلها هذا آخر كلام الشيخ وهو تقرير حسن والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( أفلح وأبيه ان صدق ) هذا مما جرت عادتهم أن يسألوا عن الجواب عنه مع قوله صلى الله عليه و سلم من كان حالفا فليحلف بالله وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم وجوابه أن قوله صلى الله عليه و سلم أفلح وأبيه ليس هو حلفا انما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها فى كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف والنهى انما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من اعظام المحلوف به ومضاهاته به الله سبحانه وتعالى فهذا هو الجواب المرضى وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل النهى عن الحلف بغير الله تعالى والله أعلم وفى هذا الحديث أن الصلاة التى هي ركن من أركان الاسلام التى أطلقت فى باقى الأحاديث هي الصلوات الخمس وأنها فى كل يوم وليلة على كل مكلف بها وقولنا بها احتراز من الحائض والنفساء فانها مكلفة بأحكام الشرع الا الصلاة وما ألحق بها مما هو مقرر فى كتب الفقه وفيه أن وجوب صلاة الليل منسوخ فى حق الامة وهذا مجمع عليه واختلف قول
(1/168)

الشافعى رحمه الله فى نسخه فى حق رسول الله صلى الله عليه و سلم والأصح نسخه وفيه أن صلاة الوتر ليست بواجبة وأن صلاة العيد أيضا ليست بواجبة وهذا مذهب الجماهير وذهب أبو حنيفة رحمه الله وطائفة إلى وجوب الوتر وذهب أبو سعيد الاصطخرى من أصحاب الشافعى إلى أن صلاة العيد فرض كفاية وفيه أنه لا يجب صوم عاشوراء ولا غيره سوى رمضان وهذا مجمع عليه واختلف العلماء هل كان صوم عاشوراء واجبا قبل ايجاب رمضان أم كان الأمر به ندبا وهما وجهان لأصحاب الشافعى أظهرهما لم يكن واجبا والثانى كان واجبا وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وفيه أنه ليس فى المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابا وفيه غير ذلك والله أعلم [ 12 ]