باب السؤال عن أركان الاسلام
 
( باب السؤال عن أركان الاسلام فيه حديث أنس رضى الله عنه قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك قال صدق إلى آخر الحديث قوله ( نهينا أن نسأل ) يعنى سؤال ما لا ضرورة إليه كما قدمنا بيانه قريبا فى الحديث الآخر سلونى أى عما تحتاجون إليه وقوله ( الرجل من أهل البادية ) يعنى من لم يكن بلغه النهى عن السؤال وقوله ( العاقل ) لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه وحسن المراجعة فان هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب ولأن أهل البادية هم الاعراب ويغلب فيهم الجهل والجفاء ولهذا جاء فى الحديث من بدا جفا والبادية والبدو بمعنى وهو ما عدا الحاضرة والعمران والنسبة اليها بدوى والبداوة الاقامة بالبادية وهى بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة وقال أبو زيد هي بفتح الباء قال ثعلب لا أعرف البداوة بالفتح الا عن أبى زيد )
(1/169)

قوله ( فقال يا محمد ) قال العلماء لعل هذا كان قبل النهى عن مخاطبته صلى الله عليه و سلم باسمه قبل نزول قول الله عز و جل لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا على أحد التفسيرين أى لا تقولوا يا محمد بل يا رسول الله يا نبى الله ويحتمل أن يكون بعد نزول الآية ولم تبلغ الآية هذا القائل وقوله ( زعم رسولك أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك قال صدق ) فقوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم اياه دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه بل يكون أيضا فى القول المحقق والصدق الذى لاشك فيه وقد جاء من هذا كثير فى الاحاديث وعن النبى صلى الله عليه و سلم قال زعم جبريل كذا وقد أكثر سيبويه وهو امام العربية فى كتابه الذى هو امام كتب العربية من قوله زعم الخليل زعم أبو الخطاب يريد بذلك القول المحقق وقد نقل ذلك جماعات من أهل اللغة وغيرهم ونقله أبو عمر الزاهد فى شرح الفصيح عن شيخه أبى العباس ثعلب عن العلماء باللغة من الكوفيين والبصريين والله أعلم ثم اعلم أن هذا الرجل الذى جاء من أهل البادية اسمه ضمام بن ثعلبة بكسر الضاد المعجمة كذا جاء مسمى فى رواية البخارى وغيره قوله ( قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الارض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذى خلق السماء وخلق الارض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات فى يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذى أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم ) هذه جملة تدل على أنواع من العلم قال صاحب التحرير هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة
(1/170)

سياقته وترتيبه فانه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو ثم أقسم عليه به أن يصدقه فى كونه رسولا للصانع ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين ثم ان هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر لا لافتقاره اليها كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة هذا كلام صاحب التحرير قال القاضي عياض والظاهر أن هذا الرجل لم يأت الا بعد اسلامه وانما جاء مستثبتا ومشافها للنبى صلى الله عليه و سلم والله أعلم وفى هذا الحديث جمل من العلم غير ما تقدم منها أن الصلوات الخمس متكررة فى كل يوم وليلة وهو معنى قوله فى يومنا وليلتنا وأن صوم شهر رمضان يجب فى كل سنة قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وفيه دلالة لصحة ما ذهب إليه أئمة العلماء من أن العوام المقلدين مؤمنون وأنه يكتفى منهم بمجرد اعتقاد الحق جزما من غير شك وتزلزل خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة وذلك أنه صلى الله عليه و سلم قرر ضماما على ما اعتمد عليه فى تعرف رسالته وصدقه ومجرد اخباره اياه بذلك ولم ينكر عليه ذلك ولا قال يجب عليك معرفة ذلك بالنظر فى معجزاتى والاستدلال بالأدلة القطعية هذا كلام الشيخ وفى هذا الحديث العمل بخبر الواحد وفيه غير ذلك والله أعلم
(1/171)

[ 13 ]