باب الامر بالايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه
 
( باب الامر بالايمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه هذا الباب فيه حديث بن عباس وحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنهم فأما حديث بن عباس ففى البخارى أيضا وأما حديث أبى سعيد ففى مسلم خاصة قوله فى الرواية الأولى ( حدثنا حماد )
(1/179)

بن زيد عن أبى جمرة قال سمعت بن عباس رضى الله عنهما وقوله فى الرواية الثانية ( أخبرنا عباد بن عباد عن أبى جمرة عن بن عباس رضى الله عنهما ) قد يتوهم من لا يعانى هذا الفن أن هذا تطويل لا حاجة إليه وأنه خلاف عادته وعادة الحفاظ فان عادتهم فى مثل هذا أن يقولوا عن حماد وعباد عن أبى جمرة عن بن عباس وهذا التوهم يدل على شدة غباوة صاحبه وعدم مؤانسته بشيء من هذا الفن فان ذلك انما يفعلونه فيما استوى فيه لفظ الرواة وهنا اختلف لفظهم ففى رواية حماد عن أبى جمرة سمعت بن عباس وفى رواية عباد عن أبى جمرة عن بن عباس وهذا التنبيه الذى ذكرته ينبغى أن يتفطن لمثله وقد نبهت على مثله بأبسط من هذه العبارة فى الحديث الأول من كتاب الايمان ونبهت عليه أيضا فى الفصول وسأنبه على مواضع منه أيضا مفرقة فى مواضع من الكتاب ان شاء الله تعالى والمقصود أن تعرف هذه الدقيقة ويتيقظ الطالب لما جاء منها فيعرفه وان لم أنص عليه اتكالا على فهمه بما تكرر التنبيه به وليستدل أيضا بذلك على عظم اتقان مسلم رحمه الله وجلالته وورعه ودقة نظره وحذقه والله أعلم وأما أبو جمرة وهو بالجيم والراء واسمه نصر بن عمران بن عصام وقيل بن عاصم الضبعى بضم الضاد المعجمة البصرى قال صاحب المطالع ليس فى الصحيحين والموطأ أبو جمرة ولا جمرة بالجيم الا هو قلت وقد ذكر الحاكم أبو أحمد الحافظ الكبير شيخ الحاكم أبى عبد الله فى كتاب الاسماء والكنى أبا جمرة نصر بن عمران هذا فى الافراد فليس عنده فى المحدثين من يكنى أبا جمرة بالجيم سواه ويروى عن بن عباس حديثا واحدا ذكر فيه معاوية بن أبى سفيان وارسال النبى صلى الله عليه و سلم إليه بن عباس وتأخره واعتذاره رواه مسلم فى الصحيح وحكى الشيخ أبو عمرو بن الصلاح فى كتابه علوم الحديث والقطعة التى شرحها فى أول مسلم عن بعض الحفاظ أنه قال ان شعبة بن الحجاج روى عن سبعة رجال يروون كلهم عن بن عباس كلهم يقال له أبو حمزة بالحاء والزاى الاأبا جمرة نصر بن عمران فبالجيم والراء قال والفرق بينهم يدرك بان شعبة اذا أطلق وقال عن أبى جمرة عن بن عباس فهو بالجيم وهو نصر بن عمران واذا روى
(1/180)

عن غيره ممن هو بالحاء والزاى فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم قوله ( قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه و سلم ) قال صاحب التحرير الوفد الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم فى لقى العظماء والمصير اليهم فى المهمات واحدهم وافد قال ووفد عبد القيس هؤلاء تقدموا قبائل عبد القيس للمهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانوا أربعة عشر راكبا الاشج العصرى رئيسهم ومزيدة بن مالك المحاربى وعبيدة بن همام المحاربى وصحار بن العباس المرى وعمرو بن مرحوم العصرى والحارث بن شعيب العصرى والحارث بن جندب من بنى عايش ولم نعثر بعد طول التتبع على أكثر من أسماء هؤلاء قال وكان سبب وفودهم أن منقذ بن حيان أحد بنى غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب فى الجاهلية فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبى صلى الله عليه و سلم فبينا منقذ بن حيان قاعد اذ مر به النبى صلى الله عليه و سلم فنهض منقذ إليه فقال النبى صلى الله عليه و سلم أمنقذ بن حيان كيف جميع هيئتك وقومك ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل يسميهم بأسمائهم فأسلم منقذ وتعلم سورة الفاتحة واقرأ باسم ربك ثم رحل قبل هجر فكتب النبى صلى الله عليه و سلم معه إلى جماعة عبد القيس كتابا فذهب به وكتمه أياما ثم اطلعت عليه امرأته وهى بنت المنذر بن عائذ بالذال المعجمة بن الحارث والمنذر هو الاشج سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم به لأثر كان فى وجهه وكان منقذ رضى الله عنه يصلى ويقرأ فنكرت امرأته ذلك فذكرته لأبيها المنذر فقالت أنكرت بعلى منذ قدم من يثرب أنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة تعنى القبلة فيحنى ظهره مرة ويضع جبينه مرة ذلك ديدنه منذ قدم فتلاقيا فتجاريا ذلك فوقع الاسلام فى قلبه ثم ثار الاشج إلى قومه عصر ومحارب بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأه عليهم فوقع الاسلام فى قلوبهم وأجمعوا على السير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسار الوفد فلما دنوا من المدينة قال النبى صلى الله عليه و سلم لجلسائه أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الاشج العصرى غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين اذ لم يسلم قوم حتى وتروا قال وقولهم ( انا هذا الحى من ربيعة ) لانه عبد القيس بن أفصى يعنى بفتح الهمزة وبالفاء والصاد المهملة المفتوحة بن دعمى بن جديلة بن أسد
(1/181)

بن ربيعة بن نزار وكانوا ينزلون البحرين الخط وأعنابها وسرة القطيف والسفار والظهران إلى لرمل إلى الاجرع ما بين هجر إلى قصر وبينونة ثم الجوف والعيون والاحساء إلى حد أطراف الدهنا وسائر بلادها هذا ما ذكره صاحب التحرير قولهم انا هذا الحى فالحى منصوب على التخصيص قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح الذى نختاره نصب الحى على التخصيص ويكون الخبر فى قولهم من ربيعة ومعناه انا هذا الحى حى من ربيعة وقد جاء بعد هذا فى الرواية الاخرى انا حى من ربيعة وأما معنى الحى فقال صاحب المطالع الحى اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض قولهم ( وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر ) سببه أن كفار مضر كانوا بينهم وبين المدينة فلا يمكنهم الوصول إلى المدينة الا عليهم قولهم ( ولا نخلص اليك الا فى شهر الحرام ) معنى نخلص نصل ومعنى كلامهم انا لا نقدر على الوصول اليك خوفا من أعدائنا الكفار الا فى الشهر الحرام فانهم لا يتعرضون لنا كما كانت عادة العرب من تعظيم الاشهر الحرم وامتناعهم من القتال فيها وقولهم شهر الحرام كذا هو فى الاصول كلها باضافة شهر إلى الحرام وفى الرواية الاخرى أشهر الحرم والقول فيه كالقول فى نظائره من قولهم مسجد الجامع وصلاة الاولى ومنه قول الله تعالى بجانب الغربى ولدار الآخرة فعلى مذهب النحويين الكوفيين هو من اضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عندهم وعلى مذهب البصريين لا تجوز هذه الاضافة ولكن هذا كله عندهم على حذف فى الكلام للعلم به فتقديره شهر الوقت الحرام وأشهر الاوقات الحرم ومسجد المكان الجامع ودار الحياة الآخرة وجانب المكان الغربى ونحو ذلك والله أعلم ثم ان قولهم شهر الحرام المراد به جنس الاشهر الحرم وهى أربعة أشهر حرم كما نص عليه القرآن العزيز وتدل عليه الرواية الاخرى بعد هذه الا فى اشهر الحرم والاشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب هذه الأربعة هي الأشهر الحرم باجماع العلماء من أصحاب الفنون ولكن اختلفوا فى الادب المستحسن فى كيفية عدها على قولين حكاهما الامام أبو جعفر النحاس فى كتابه صناعة الكتاب قال ذهب الكوفيون إلى أنه يقال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة قال والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا
(1/182)

بهن من سنة واحدة قال وأهل المدينة يقولون ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وقوم ينكرون هذا ويقولون جاؤوا بهن من سنتين قال أبو جعفر وهذا غلط بين وجهل باللغة لأنه قد علم المراد وأن المقصود ذكرها وأنها فى كل سنة فكيف يتوهم أنها من سنتين قال والأولى والاختيار ما قاله أهل المدينة لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قالوا من رواية بن عمر وأبى هريرة وأبى بكرة رضى الله عنهم قال وهذا أيضا قول أكثر أهل التأويل قال النحاس وأدخلت الألف واللام فى المحرم دون غيره من الشهور قال وجاء من الشهور ثلاثة مضافات شهر رمضان وشهرا ربيع يعنى والباقى غير مضافات وسمى الشهر شهرا لشهرته وظهوره والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( آمركم بأربع وأنها كم عن أربع الايمان بالله ثم فسرها لهم فقال شهادة أن لا اله الاالله وأن محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم وفى رواية شهادة أن لا اله الاالله وعقد واحدة ) وفى الطريق الأخرى قال وأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع قال أمرهم بالايمان بالله وحده قال وهل تدرون ما الايمان بالله قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم وفى الرواية الأخرى قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم هذه ألفاظه هنا وقد ذكر البخارى هذا الحديث فى مواضع كثيرة من صحيحه وقال فيه فى بعضها شهادة أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ذكره فى باب اجازة خبر الواحد وذكره فى باب بعد باب نسبة اليمن إلى إسماعيل صلى الله عليه و سلم فى آخر
(1/183)

ذكر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقال فيه آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الايمان بالله وشهادة أن لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان بزيادة واو وكذلك قال فيه فى أول كتاب الزكاة الايمان بالله وشهادة أن لا اله الا الله بزيادة واو أيضا ولم يذكر فيها الصيام وذكر فى باب حديث وفد عبد القيس الايمان بالله شهادة أن لا اله الا الله فهذه ألفاظ هذه القطعة فى الصحيحين وهذه الألفاظ مما يعد من المشكل وليست مشكلة عند أصحاب التحقيق والاشكال فى كونه صلى الله عليه و سلم قال آمركم بأربع والمذكور فى أكثر الروايات خمس واختلف العلماء فى الجواب عن هذا على أقوال أظهرها ما قاله الامام بن بطال رحمه الله تعالى فى شرح صحيح البخارى قال أمرهم بالاربع التى وعدهم بها ثم زادهم خامسة يعنى أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر فكانوا أهل جهاد وغنائم وذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح نحو هذا فقال قوله أمرهم بالايمان بالله أعاده لذكر الاربع ووصفه لها بأنها ايمان ثم فسرها بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم فهذا موافق لحديث بنى الاسلام على خمس ولتفسير الاسلام بخمس فى حديث جبريل صلى الله عليه و سلم وقد سبق أن ما يسمى اسلاما يسمى ايمانا وأن الاسلام والايمان يجتمعان ويفترقان وقد قيل انما لم يذكر الحج فى هذا الحديث لكونه لم يكن نزل فرضه وأما قوله صلى الله عليه و سلم وأن تؤدوا خمسا من المغنم فليس عطفا على قوله شهادة ان لا اله الاالله فانه يلزم منه أن يكون الاربع خمسا وانما هو عطف على قوله بأربع فيكون مضافا إلى الأربع لا واحدا منها وان كان واحدا من مطلق شعب الايمان قال وأما عدم ذكر الصوم فى الرواية الاولى فهو اغفال من الراوى وليس من الاختلاف الصادر من رسول الله صلى الله عليه و سلم بل من اختلاف الرواة الصادر من تفاوتهم فى الضبط والحفظ على ما تقدم بيانه فافهم ذلك وتدبره تجده ان شاء الله تعالى مما هدانا الله سبحانه وتعالى لحله من العقد هذا آخر كلام الشيخ أبى عمرو وقيل فى معناه غير ما قالاه مما ليس بظاهر فتركناه والله أعلم وأما قول الشيخ ان ترك الصوم فى بعض الروايات اغفال من الراوى وكذا قاله القاضي عياض وغيره وهو ظاهر لا شك فيه قال القاضي عياض رحمه الله وكانت وفادة عبد القيس عام الفتح قبل خروج النبى صلى الله عليه و سلم إلى مكة ونزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على الاشهر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم وأن تؤدوا خمس ما غنمتم ففيه ايجاب الخمس من الغنائم وان
(1/184)

لم يكن الامام فى السرية الغازية وفى هذا تفصيل وفروع سننبه عليها فى بابها أن وصلناه ان شاء الله تعالى ويقال خمس بضم الميم واسكانها وكذلك الثلث والربع والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر بضم ثانيها ويسكن والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم وأنها كم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير وفى رواية المزفت بدل المقير فنضبطه ثم نتكلم على معناه ان شاء الله تعالى فالدباء بضم الدال وبالمد وهو القرع اليابس أى الوعاء منه وأما الحنتم فبحاء مهملة مفتوحة ثم نون ساكنة ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ثم ميم الواحدة حنتمة وأما النقير فبالنون المفتوحة والقاف وأما المقير فبفتح القاف والياء فاما الدباء فقد ذكرناه وأما الحنتم فاختلف فيها فأصح الاقوال وأقواها أنها جرار خضر وهذا التفسير ثابت فى كتاب الاشربة من صحيح مسلم عن أبى هريرة وهو قول عبد الله بن مغفل الصحابى رضى الله عنه وبه قال الاكثرون أو كثيرون من أهل اللغة وغريب الحديث والمحدثين والفقهاء والثانى أنها الجرار كلها قاله عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وأبو سلمة والثالث أنها جرار يؤتى بها من مصر مقيرات الاجواف وروى ذلك عن أنس بن مالك رضى الله عنه ونحوه عن بن أبى ليلى وزاد أنها حمر والرابع عن عائشة رضى الله عنها جرار حمر أعناقها فى جنوبها يجلب فيها الخمر من مصر والخامس عن بن أبى ليلى أيضا أفواهها فى جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر والسادس عن عطاء جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم وأما النقير فقد جاء فى تفسيره فى الرواية الاخيرة أنه جذع ينقر وسطه وأما المقير فهو المزفت وهو المطلى بالقار وهو الزفت وقيل الزفت نوع من القار والصحيح الاول فقد صح عن بن عمر رضى الله عنهما أنه قال المزفت هو المقير وأما معنى النهى عن هذه الاربع فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها وهو أن يجعل فى الماء حبات من تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو ويشرب وانما خصت هذه بالنهى لانه يسرع إليه الاسكار فيها فيصير حراما نجسا وتبطل ماليته فنهى عنه لما فيه من اتلاف المال ولانه ربما شربه بعد اسكاره من لم يطلع عليه ولم ينه عن الانتباذ فى أسقية الادم بل أذن فيها لانها لرقتها لا يخفى فيها المسكر بل اذا صار مسكرا شقها غالبا ثم ان هذا النهى كان فى أول الامر ثم نسخ بحديث بريدة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه و سلم قال كنت نهيتكم عن الانتباذ الا فى الأسقية فانتبذوا فى كل وعاء ولا تشربوا مسكرا رواه مسلم فى الصحيح هذا الذى ذكرناه من
(1/185)

كونه منسوحا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء قال الخطابى القول بالنسخ هو أصح الاقاويل قال وقال قوم التحريم باق وكرهوا الانتباذ فى هذه الاوعية ذهب إليه مالك وأحمد واسحاق وهو مروى عن بن عمر وعباس رضى الله عنهم والله اعلم قوله ( قال أبو بكر حدثنا غندر عن شعبة وقال الآخران ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة ) هذا من احتياط مسلم رضى الله عنه فان غندرا هو محمد بن جعفر ولكن أبو بكر ذكره بلقبه والآخران باسمه ونسبه وقال أبو بكر عنه عن شعبة وقال الآخران عنه حدثنا شعبة فحصلت مخالفة بينهما وبينه من وجهين فلهذا نبه عليه مسلم رحمه الله تعالى وقد تقدم في المقدمة أن دال غندر مفتوحة على المشهور وأن الجوهرى حكى ضمها أيضا وتقدم بيان سبب تلقيبه بغندر قوله ( كنت أترجم بين يدى بن عباس وبين الناس ) كذا هو فى الاصول وتقديره بين يدى بن عباس بينه وبين الناس فحذف لفظة بينه لدلالة الكلام عليها ويجوز أن يكون المراد بين بن عباس وبين الناس كما جاء في البخارى وغيره بحذف يدى فتكون يدى عبارة عن الجملة كما قال الله تعالى يوم ينظر المرء ما قدمت يداه أي قدم والله أعلم وأما معنى الترجمة فهو التعبير عن لغة بلغة ثم قيل انه كان يتكلم بالفارسية فكان يترجم لابن عباس عمن يتكلم بها قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى وعندى أنه كان يبلغ كلام بن عباس إلى من خفى عليه من الناس اما لزحام منع من سماعه فأسمعهم وأما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو نحو ذلك قال واطلاقه لفظ الناس يشعر بهذا قال وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة بلغة أخرى فقد أطلقوا على قولهم باب كذا اسم الترجمة لكونه يعبر عما يذكره بعده هذا كلام الشيخ والظاهر أن معناه أنه يفهمهم عنه ويفهمه عنهم والله أعلم قوله ( فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر ) أما الجر فبفتح الجيم وهو اسم جمع الواحدة جرة ويجمع أيضا على جرار وهو هذا الفخار المعروف وفى هذا دليل على جواز استفتاء المرأة الرجال الاجانب وسماعها صوتهم وسماعهم صوتها للحاجة وفي قوله ان وفد
(1/186)

عبد القيس الخ دليل على أن مذهب بن عباس رضى الله عنه أن النهى عن الانتباذ فى هذه الاوعية ليس بمنسوخ بل حكمه باق وقد قدمنا بيان الخلاف فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( مرحبا بالقوم ) منصوب على المصدر استعملته العرب وأكثرت منه تريد به البر وحسن اللقاء ومعناه صادفت رحبا وسعة قوله صلى الله عليه و سلم ( غير خزايا ولا الندامى ) هكذا هو فى الاصول الندامى بالالف واللام وخزايا بحذفهما وروى فى غير هذا الموضع بالالف واللام فيهما وروى باسقاطهما فيهما والرواية فيه غير بنصب الراء على الحال وأشار صاحب التحرير إلى أنه يروى أيضا بكسر الراء على الصفة للقوم والمعروف الاول ويدل عليه ما جاء فى رواية البخارى مرحبا بالقوم الذين جاؤا غير خزايا ولا ندامى والله أعلم أما الخزايا فجمع خزيان كحيران وحيارى وسكران وسكارى والخزيان المستحى وقيل الذليل المهان وأما الندامى فقيل أنه جمع ندمان بمعنى نادم وهى لغة فى نادم حكاها القزاز صاحب جامع اللغة والجوهرى فى صحاحه وعلى هذا هو على بابه وقيل هو جمع نادم اتباعا للخزايا وكان الأصل نادمين فأتبع لخزايا تحسينا للكلام وهذا الاتباع كثير فى كلام العرب وهو من فصيحه ومنه قول النبى صلى الله عليه و سلم ارجعن مأزورات غير مأجورات أتبع مأزورات لمأجورات ولو أفرد ولم يضم إليه مأجورات لقال موزورات كذا قاله الفراء وجماعات قالوا ومنه قول العرب انى لآتيه بالغدايا والعشايا جمعوا الغداة على غدايا اتباعا لعشايا ولو أفردت لم يجز الاغدوات وأما معناه فالمقصود أنه لم يكن منكم تأخر عن الاسلام ولا عناد ولاأصابكم اسار ولا سباء ولا ما أشبه ذلك مما تستحيون بسببه أو تذلون أو تهانون أو تندمون والله أعلم قوله ( فقالوا يا رسول الله انا نأتيك من شقة بعيدة ) الشقة بضم الشين وكسرها لغتان مشهورتان أشهرهما وأفصحهما الضم وهى التى جاء بها القرآن العزيز قال الامام ابو إسحاق الثعلبى وقرأ عبيد بن عمير بكسر الشين وهى لغة قيس والشقة السفر البعيد كذا قاله
(1/187)

بن السكيت وبن قتيبة وقطرب وغيرهم قيل سميت شقة لانها تشق على الانسان وقيل هي المسافة وقيل الغاية التى يخرج الانسان اليها فعلى القول الاول يكون قولهم بعيدة مبالغة فى بعدها والله أعلم قولهم ( فمرنا بأمر فصل ) هو بتنوين أمر قال الخطابى وغيره هو البين الواضح الذى ينفصل به المراد ولا يشكل قوله صلى الله عليه و سلم ( وأخبروا به من ورائكم وقال أبو بكر فى روايته من وراءكم ) هكذا ضبطناه وكذا هو فى الاصول الاول بكسر الميم والثانى بفتحها وهما يرجعان إلى معنى واحد قوله ( وحدثنا نصر بن على الجهضمى ) هو بفتح الجيم والضاد المعجمة واسكان الهاء بينهما وقد تقدم بيانه فى شرح المقدمة قوله ( قالا جميعا ) فلفظة جميعا منصوبة على الحال ومعناه اتفقا واجتمعا على التعديت بما يذكره اما مجتمعين فى وقت واحد واما فى وقتين ومن اعتقد
(1/188)

أنه لابد أن يكون ذلك فى وقت واحد فقد غلط غلطا بينا قوله ( وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للاشج أشج عبد القيس ان فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ) أما الاشج فاسمه المنذر بن عائذ بالذال المعجمة العصرى بفتح العين والصاد المهملتين هذا هو الصحيح المشهور الذى قاله بن عبد البر والاكثرون أو الكثيرون وقال بن الكلبى اسمه المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف وقيل اسمه المنذر بن عامر وقيل المنذر بن عبيد وقيل اسمه عائذ بن المنذر وقيل عبد الله بن عوف وأما الحلم فهو العقل وأما الأناة فهي التثبت وترك العجلة وهى مقصورة وسبب قول النبى صلى الله عليه و سلم ذلك له ما جاء فى حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبى صلى الله عليه و سلم وأقام الاشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبى صلى الله عليه و سلم فقر به النبى صلى الله عليه و سلم وأجلسه إلى جانبه ثم قال لهم النبى صلى الله عليه و سلم تبايعون على أنفسكم وقومكم فقال القوم نعم فقال الاشج يا رسول الله انك لم تزاول الرجل عن شيء أشد عليه من دينه نبايعك على أنفسنا ونرسل من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه قال صدقت ان فيك خصلتين الحديث قال القاضي عياض فالأناة تربصه حتى نظر فى مصالحه ولم يعجل والحلم هذا القول الذى قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب قلت ولا يخالف هذا ما جاء فى مسند أبى يعلى وغيره أنه لما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للاشج ان فيك خصلتين الحديث قال يا رسول الله كانا في أم حدثا قال بل قديم قال قلت الحمد لله الذى جبلنى على خلقين يحبهما قوله [ 18 ] ( حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال حدثنا من لقى الوفد الذين قدموا على رسول
(1/189)

الله صلى الله عليه و سلم من عبد القيس قال سعيد وذكر قتادة أبا نضرة عن أبى سعيد الخدرى ) معنى هذا الكلام أن قتادة حدث بهذا الحديث عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى كما جاء مبينا فى الرواية التى بعد هذا من رواية بن أبى عدى وأما أبو عروبة بفتح العين فاسمه مهران وهكذا يقوله أهل الحديث وغيرهم عروبة بغير ألف ولام وقال بن قتيبة فى كتابه أدب الكاتب فى باب ما تغير من أسماء الناس هو بن أبى العروبة بالالف واللام يعنى أن قولهم عروبة لحن وذكره بن قتيبة فى كتابه المعارف كما ذكره غيره فقال سعيد بن أبى عروبة يكنى أبا النضر لاعقب له يقال انه لم يمس امرأة قط واختلط فى آخر عمره وهذا الذى قاله من اختلاطه كذا قاله غيره واختلاطه مشهور قال يحيى بن معين وخلط سعيد بن أبى عروبة بعد هزيمة ابراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة ثنتين وأربعين يعنى ومائة ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء ويزيد بن هارون صحيح السماع منه بواسط وأثبت الناس سماعا منه عبدة بن سليمان قلت وقد مات سعيد بن أبى عروبة سنة ست وخمسين ومائة وقيل سنة سبع وخمسين وقد تقرر من القاعدة التى قدمناها أن من علمنا أنه روى عن المختلط فى حال سلامته قبلنا روايته واحتججنا بها ومن روى فى حال الاختلاط أو شككنا فيه لم نحتج بروايته وقد قدمنا أيضا أن من كان من المختلطين محتجا به فى الصحيحين فهو محمول على أنه ثبت أخذ ذلك عنه قبل الاختلاط والله أعلم وأما أبو نضرة بفتح النون واسكان الضاد المعجمة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف واسكان الطاء العوقى بفتح العين والواو وبالقاف هذا هو المشهور
(1/190)

الذى قاله الجمهور وحكى صاحب المطالع أن بعضهم سكن الواو من العوقى والعوقة بطن من عبد القيس وهو بصرى والله أعلم وأما أبو سعيد الخدرى فاسمه سعد بن مالك بن سنان منسوب إلى بنى خدرة وكان أبوه مالك رضى الله عنه صحابيا أيضا قتل يوم أحد شهيدا قوله صلى الله عليه و سلم ( فتقذفون فيه من القطيعاء ) أما تقذفون فهو بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم قاف ساكنة ثم ذال معجمة مكسورة ثم فاء ثم واو ثم نون كذا وقع فى الاصول كلها فى هذا الموضع الأول ومعناه تلقون فيه وترمون وأما قوله فى الرواية الاخرى وهى رواية محمد بن المثنى وبن بشار عن بن أبى عدى وتذيفون به من القطيعاء فليست فيها قاف وروى بالذال المعجمة وبالمهملة وهما لغتان فصيحتان وكلاهما بفتح التاء وهو من ذاف يذيف بالمعجمة كباع يبيع وداف يدوف بالمهملة كقال يقول واهمال الدال أشهر فى اللغة وضبطه بعض رواة مسلم بضم التاء على رواية المهملة وعلى رواية المعجمة أيضا جعله من أذاف والمعروف فتحها من ذاف وأذاف ومعناه على الأوجه كلها خلط والله أعلم وأما القطيعاء فبضم القاف وفتح الطاء وبالمد وهو نوع من التمر صغار يقال له الشهريز بالشين المعجمة والمهملة وبضمهما وبكسرهما قوله صلى الله عليه و سلم ( حتى أن أحدكم أوان أحدهم ليضرب بن عمه بالسيف ) معناه اذا شرب هذا الشراب سكر فلم يبق له عقل وهاج به الشر فيضرب بن عمه الذى هو عنده من أحب أحبابه وهذه مفسدة عظيمة ونبه بها على ما سواها من المفاسد وقوله أحدكم أو أحدهم شك من الراوى والله أعلم قوله ( وفى القوم رجل أصابته جراحة ) واسم هذا الرجل جهم
(1/191)

وكانت الجراحة فى ساقه قوله صلى الله عليه و سلم ( فى أسقية الأدم التى يلاث على أفواهها ) أما الأدم فبفتح الهمزة والدال جمع أديم وهو الجلد الذى تم دباغه وأما يلاث على أفواهها فبضم المثناة من تحت وتخفيف اللام وآخره ثاء مثلثة كذا ضبطناه وكذا هو فى أكثر الاصول وفى أصل الحافظ أبى عامر العبدرى ثلاث بالمثناة فوق وكلاهما صحيح فمعنى الاول يلف الخيط على أفواهها ويربط به ومعنى الثانى تلف الاسقية على أفواهها كما يقال ضربته على رأسه قوله ( ان أرضنا كثيرة الجرذان ) كذا ضبطناه كثيرة بالهاء فى آخره ووقع فى كثير من الاصول كثير بغير هاء قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح صح فى أصولنا كثير من غير تاء التأنيث والتقدير فيه على هذا أرضنا مكان كثير الجرذان ومن نظائره قول الله عز و جل ان رحمة الله قريب من المحسنين وأما الجرذان فبكسر الجيم واسكان الراء وبالذال المعجمة جمع جرذ بضم الجيم وفتح الراء كنغر ونغران وصرد وصردان والجرذ نوع من الفار كذا قاله الجوهرى وغيره وقال الزبيدى فى مختصر العين هو الذكر من الفار وأطاق جماعة من شراح الحديث أنه الفار قوله صلى الله عليه و سلم ( وان أكلتها الجرذان وان أكلتها الجرذان وان أكلتها الجرذان ) هكذا هو فى الأصول مكرر ثلاث مرات قوله ( قالا ثنا بن أبى عدي ) هو محمد بن ابراهيم وابراهيم هو
(1/192)

أبو عدي قوله ( حدثنا أبو عاصم عن بن جريج أما أبو عاصم فالضحاك بن مخلد النبيل وأما بن جريج فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قوله ( حدثني محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق انا بن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري أخبره ) هذا الاسناد معدود فى المشكلات وقد اضطربت فيه أقوال الأئمة وأخطأ فيه جماعات من كبار الحفاظ والصواب فيه ما حققه وحرره وبسطه وأوضحه الامام الحافظ أبو موسى الاصبهانى فى الجزء الذي جمعه فيه وما أحسنه وأجوده وقد لخصه الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله فقال هذا الاسناد أحد المعضلات ولاعضاله وقع فيه تعبيرات من جماعة واهمة فمن ذلك رواية أبي نعيم الاصبهانى فى مستخرجه على كتاب مسلم باسناده أخبرنى أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبرهما أن أبا سعيد الخدري أخبره وهذا يلزم منه أن يكون أبو قزعة هو الذى أخبر أبا نضرة وحسنا عن أبى سعيد ويكون أبو قزعة هو الذى سمع من أبي سعيد وذلك منتف بلا شك ومن ذلك أن أبا على الغساني صاحب تقييد المهمل رد رواية مسلم هذه وقلده فى ذلك صاحب المعلم ومن شأنه تقليده فيما يذكره من علم الأسانيد وصوبهما فى ذلك القاضي عياض فقال أبو علي الصواب فى الاسناد عن بن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبراه أن أبا سعيد أخبره وذكر أنه انما قال أخبره ولم يقل أخبرهما لانه رد الضمير إلى أبي نضرة وحده وأسقط الحسن لموضع الارسال فانه لم يسمع من أبي سعيد ولم يلقه وذكر أنه بهذا اللفظ الذى ذكره مسلم خرجه أبو علي بن السكن فى مصنفه باسناده قال وأظن أن هذا من اصلاح بن السكن وذكر الغساني أيضا أنه رواه كذلك أبو بكر البزار فى مسنده الكبير باسناده وحكى عنه وعن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنهما ذكرا أن حسنا هذا هو الحسن البصري وليس الأمر فى ذلك على ما ذكروه بل
(1/193)

ما أورده مسلم فى هذا الاسناد هو الصواب وكما أورده رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن بن جريج وقد انتصر له الحافظ أبو موسى الاصبهاني رحمه الله وألف فى ذلك كتابا لطيفا تبجح فيه باجادته واصابته مع وهم غير واحد فيه فذكر أن حسنا هذا هو الحسن بن مسلم بن يناق الذي روى عنه بن جريج غير هذا الحديث وأن معنى هذا الكلام أن أبا نضرة أخبر بهذا الحديث أبا قزعة وحسن بن مسلم كليهما ثم أكد ذلك بأن أعاد فقال أخبرهما أن أبا سعيد أخبره يعني أخبر أبو سعيد أبا نضرة وهذا كما تقول ان زيدا جاءنى وعمرا جاءنى فقالا كذا وكذا وهذا من فصيح الكلام واحتج على أن حسنا فيه هو الحسن بن مسلم بن يناق بن سلمة بن شبيب وهو ثقة رواه عن عبد الرزاق عن بن جريج قال أخبرنى أبو قزعة أن أبا نضرة أخبره وحسن بن مسلم بن يناق أخبرهما أن أبا سعيد أخبره الحديث ورواه أبو الشيخ الحافظ فى كتابه المخرج على صحيح مسلم وقد أسقط أبو مسعود الدمشقى وغيره ذكر حسن من الاسناد لأنه مع اشكاله لا مدخل له فى الرواية وذكر الحافظ أبو موسى ما حكاه أبو على الغساني وبين بطلانه وبطلان رواية من غير الضمير فى قوله أخبرهما وغير ذلك من التغييرات ولقد أجاد وأحسن رضى الله عنه هذا آخر كلام الشيخ أبى عمرو رحمه الله وفى هذا القدر الذى ذكره أبلغ كفاية وان كان الحافظ أبو موسى قد أطنب فى بسطه وايضاحه بأسانيده واستشهاداته ولا ضرورة إلى زيادة على هذا القدر والله أعلم وأما أبو قزعة المذكور فاسمه سويد بن حجير بحاء مهملة مضمومة ثم جيم مفتوحة وآخره راء وهو باهلي بصري انفرد مسلم بالرواية له دون البخاري وقزعة بفتح القاف وبفتح الزاي واسكانها ولم يذكر أبو علي الغساني فى تقييد المهمل سوى الفتح وحكى القاضي عياض فيه الفتح والاسكان ووجد بخط بن الأنباري بالاسكان وذكر بن مكي فى كتابه فيما يلحن فيه أن الاسكان هو الصواب والله أعلم قولهم ( جعلنا الله فداك ) هو بكسر الفاء وبالمد ومعناه يقيك المكاره قوله صلى الله عليه و سلم
(1/194)
( وعليكم بالموكى ) هو بضم الميم واسكان الواو مقصور غير مهموز ومعناه انبذوا فى السقاء الدقيق الذي يوكى أى يربط فوه بالوكاء وهو الخيط الذي يربط به والله أعلم هذا ما يتعلق بألفاظ هذا الحديث وأما أحكامه ومعانيه فقد اندرج جمل منها فيما ذكرته وأنا أشير اليها ملخصة مختصرة مرتبة ففي هذا الحديث وفادة الرؤساء والأشراف إلى الأئمة عند الأمور المهمة وفيه تقديم الاعتذار بين يدي المسألة وفيه بيان مهمات الاسلام وأركانه ما سوى الحج وقد قدمنا أنه لم يكن فرض وفيه استعانة العالم في تفهيم الحاضرين والفهم عنهم ببعض أصحابه كما فعله بن عباس رضى الله عنهما وقد يستدل به على أنه يكفي فى الترجمة في الفتوى والخبر قول واحد وفيه استحباب قول الرجل لزواره والقادمين عليه مرحبا ونحوه والثناء عليهم ايناسا وبسطا وفيه جواز الثناء على الانسان فى وجهه اذا لم يخف عليه فتنة باعجاب ونحوه وأما استحبابه فيختلف بحسب الاحوال والاشخاص وأما النهي عن المدح فى الوجه فهو فى حق من يخاف عليه الفتنة بما ذكرناه وقد مدح النبى صلى الله عليه و سلم فى مواضع كثيرة فى الوجه فقال صلى الله عليه و سلم لأبى بكر رضى الله عنه لست منهم وقال صلى الله عليه و سلم يا أبا بكر لا تبك ان أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا من أمتى خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا وقال له وأرجو أن تكون منهم أى من الذين يدعون من أبواب الجنة وقال صلى الله عليه و سلم ائذن له وبشره بالجنة وقال صلى الله عليه و سلم اثبت أحد فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان وقال صلى الله عليه و سلم دخلت الجنة ورأيت قصرا فقلت لمن هذا قالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك فقال عمر رضى الله عنه بأبى أنت وأمى يا رسول الله أعليك أغار وقال له ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك وقال صلى الله عليه و سلم افتح لعثمان وبشره بالجنة وقال لعلى رضى الله عنه أنت منى وأنا منك وفى الحديث الآخر أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى وقال صلى الله عليه و سلم لبلال سمعت دق نعليك فى الجنة وقال صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن سلام أنت على الاسلام حتى تموت وقال للانصارى ضحك الله عز و جل أو عجب من فعالكما وقال للانصار أنتم من أحب الناس إلى
(1/195)

ونظائر هذا كثيرة من مدحه صلى الله عليه و سلم في الوجه وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يقتدى بهم رضى الله عنهم أجمعين فأكثر من أن يحصر والله أعلم وفي حديث الباب من الفوائد أنه لا عتب على طالب العلم والمستفتى اذا قال للعالم أوضح لى الجواب ونحو هذه العبارة وفيه أنه لا بأس بقول رمضان من غير ذكر الشهر وفيه جواز مراجعة العالم على سبيل الاسترشاد والاعتذار ليتلطف له في جواب لا يشق عليه وفيه تأكيد الكلام وتفخيمه ليعظم وقعه في النفس وفيه جواز قول الانسان لمسلم جعلنى الله فداك فهذه أطراف مما يتعلق بهذا الحديث وهي وأن كانت طويلة فهي مختصرة بالنسبة إلى طالبى التحقيق والله أعلم وله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة [ 19 ]