من قال أشهد أن لا اله الا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أى أبواب الجنة الثمانية شاء
 

( وفضلت فضلة ) يقال فضل وفضل بكسر الضاد وفتحها لغتان مشهورتان قوله ( حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد يعنى بن مسلم عن بن جابر قال حدثنى عمير بن هانئ قال حدثنى جنادة بن أبى أمية قال حدثنا عبادة بن الصامت ) اما رشيد فبضم الراء وفتح الشين وأما الوليد بن مسلم فهو الدمشقى صاحب الأوزاعى وقد قدمنا فى أول هذا الباب بيانه وقوله يعنى بن مسلم قد قدمنا مرات فائدته وانه لم يقع نسبه فى الرواية فأراد ايضاحه من غير زيادة فى الرواية وأما بن جابر فهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقى الجليل وأما هانئ فهو بهمز اخره وأما جنادة بضم الجيم فهو جنادة بن أبى أمية واسم أبى أمية كبير بالباء الموحدة وهو دوسى أزدى نزل فيهم شامى وجنادة وأبوه صحابيان هذا هو الصحيح الذى قاله الاكثرون وقد روى له النسائى حديثا فى صوم يوم الجمعة أنه دخل على النبى صلى الله عليه و سلم فى ثمانية أنفس وهم صيام وله غير ذلك من الحديث الذى فيه التصريح بصحبته قال أبو سعيد بن يونس في تاريخ مصر كان من الصحابة وشهد فتح مصر وكذا قال غيره ولكن أكثر رواياته عن الصحابة وقال محمد بن سعد كاتب الواقدى قال بن عبد الله العجلى هو تابعى من كبار التابعين وكنية جنادة أبو عبد الله كان صاحب غزو رضى الله عنه والله أعلم وهذا الاسناد كله شاميون الا داود بن رشيد فانه خوارزمى سكن بغداد [ 28 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( من قال أشهد أن
(1/226)

لا اله الا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أى أبواب الجنة الثمانية شاء ) هذا حديث عظيم الموقع وهو أجمع أو من أجمع الاحاديث المشتملة على العقائد فانه صلى الله عليه و سلم جمع فيه ما يخرج عن جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم فاختصر صلى الله عليه و سلم فى هذه الاحرف على ما يباين به جميعهم وسمى عيسى عليه السلام كلمة لانه كان بكلمة كن فحسب من غير أب بخلاف غيره من بنى آدم قال الهروى سمى كلمة لانه كان عن الكلمة فسمى بها كما يقال للمطر رحمة قال الهروى وقوله تعالى وروح منه أى رحمة قال وقال بن عرفة أى ليس من أب انما نفخ فى أمه الروح وقال غيره وروح منه أى مخلوقة من عنده وعلى هذا يكون اضافتها إليه اضافة تشريف كناقة الله وبيت الله والا فالعالم له سبحانه وتعالى ومن عنده والله أعلم قوله ( حدثنا ابراهيم الدورقى ) هو بفتح الدال وقد تقدم بيانه فى المقدمة وتقدم أن اسم الاوزاعى عبد الرحمن بن عمرو مع بيان الاختلاف في الاوزاع التي نسب اليها قوله صلى الله عليه و سلم ( أدخله الله الجنة على ما كان من عمل ) هذا محمول على ادخاله الجنة فى الجملة فان كانت له معاص من الكبائر فهو فى المشيئة فان عذب ختم له بالجنة وقد تقدم هذا فى كلام القاضي وغيره مبسوطا مع بيان الاختلاف فيه والله أعلم [ 29 ] قوله ( عن بن
(1/227)

عجلان عن محمد بن يحيى بن حيان عن بن محيريز عن الصنابحى عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أنه قال دخلت عليه وهو فى الموت فبكيت فقال مهلا ) أما بن عجلان بفتح العين فهو الامام أبو عبد الله محمد بن عجلان المدنى مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة كان عابدا فقيها وكان له حلقة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان يفتى وهو تابعى أدرك أنسا وأبا الطفيل قاله أبو نعيم روى عن أنس والتابعين ومن طرف أخباره أنه حملت به أمه أكثر من ثلاث سنين وقد قال الحاكم أبو أحمد فى كتاب الكنى محمد بن عجلان يعد فى التابعين ليس هو بالحافظ عنده ووثقه غيره وقد ذكره مسلم هنا متابعة قيل انه لم يذكر له فى الاصول شيئا والله أعلم وأما حبان فبفتح الحاء وبالموحدة ومحمد بن يحيى هذا تابعى سمع أنس بن مالك رضى الله عنه وأما بن محيريز فهو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب القرشى الجمحى من أنفسهم المكى أبو عبد الله التابعى الجليل سمع جماعة من الصحابة منهم عبادة بن الصامت وأبو محذورة وأبو سعيد الخدرى وغيرهم رضى الله عنهم سكن بيت المقدس قال الاوزاعى من كان مقتديا فليقتد بمثل بن محيريز فان الله تعالى لم يكن ليضل أمة فيها مثل بن محيريز وقال رجاء بن حيوة بعد موت بن محيريز والله ان كنت لأعد بقاء بن محيريز أمانا لاهل الارض وأما الصنابحى بضم الصاد المهملة فهو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين المرادى والصنابح بطن من مراد وهو تابعى جليل رحل إلى النبى صلى الله عليه و سلم فقبض النبى صلى الله عليه و سلم وهو فى الطريق وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمس ليال أوست فسمع أبا بكر الصديق وخلائق من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين وقد يشتبه على غير المشتغل بالحديث الصنابحى هذا بالصنابح بن الاعسر الصحابى رضى الله عنه والله أعلم واعلم أن هذا الاسناد فيه لطيفة مستطرفة من لطائف الاسناد وهى أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض بن عجلان وبن حبان وبن محيريز والصنابحى والله أعلم وأما قوله ( عن الصنابحى عن عبادة أنه قال دخلت عليه ) فهذا كثير يقع مثله وفيه صنعة حسنة وتقديره عن الصنابحى أنه حدث عن عبادة بحديث قال فيه دخلت عليه ومثله
(1/228)

ما سيأتى قريبا فى كتاب الايمان فى حديث ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين قال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال أنا هشيم عن صالح بن صالح عن الشعبى قال رأيت رجلا سأل الشعبى فقال يا أبا عمرو ان من قبلنا من أهل خراسان ناس يقولون كذا فقال الشعبى حدثنى أبو بردة عن أبيه فهذا الحديث من النوع الذى نحن فيه فتقديره قال هشيم حدثنى صالح عن الشعبى بحديث قال فيه صالح رأيت رجلا سأل الشعبى ونظائر هذا كثيرة سننبه على كثير منها في مواضعها ان شاء الله تعالى والله أعلم وقوله ( مهلا ) هو باسكان الهاء ومعناه أنظرنى قال الجوهرى يقال مهلا يا رجل بالسكون وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث وهى موحدة بمعنى أمهل فاذا قيل لك مهلا قلت لا مهل والله ولا تقل لا مهلا وتقول ما مهل والله بمغنية عنك شيئا والله أعلم قوله ( ما من حديث لكم فيه خير الا وقد حدثتكموه ) قال القاضي عياض رحمه الله فيه دليل على أنه كتم ما خشى الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل واحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه حد من حدود الشريعة قال ومثل هذا عن الصحابة رضي الله عنهم كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعو إليه ضرورة أو لا تحمله عقول العامة أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والامارة وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة وذم آخرين ولعنهم والله أعلم قوله ( وقد أحيط بنفسى ) معناه قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة قال صاحب التحرير أصل الكلمة فى الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه فيأخذون عليه جميع الجوانب بحيث لا يبقى له فى الخلاص مطمع فيقال أحاطوا به أى أطافوا به من
(1/229)

جوانبه ومقصوده رب موتى والله أعلم قوله ( هداب بن خالد ) هو بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وآخره باء موحدة ويقال هدبة بضم الهاء واسكان الدال وقد ذكره مسلم رحمه الله فى مواضع من الكتاب يقول فى بعضها هدبة وفى بعضها هداب واتفقوا على أن أحدهما اسم والآخر لقب ثم اختلفوا فى الاسم منهما فقال أبو على الغسانى وأبو محمد عبد الله بن الحسن الطبسى وصاحب المطالع والحافظ عبد الغنى المقدسى المتأخر هدبة هو الاسم وهداب لقب وقال غيرهم هداب اسم وهدبة لقب واختار الشيح أبو عمرو هذا وأنكر الأول وقال أبو الفضل الفلكى الحافظ أنه كان يغضب اذا قيل له هدبة وذكره البخارى فى تاريخه فقال هدبة بن خالد ولم يذكره هدابا فظاهره أنه أختار أن هدبة هو الاسم والبخارى أعرف من غيره فانه شيخ البخارى ومسلم رحمهم الله أجمعين والله أعلم قوله ( كنت ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بينى وبينه الا مؤخرة الرحل فقال يا معاذ بن جبل قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك يا رسول الله وسعديك إلى آخر الحديث ) أما قوله ردف فهو بكسر الراء واسكان الدال هذه الرواية المشهورة التى ضبطها معظم الرواة وحكى القاضي عياض رحمه الله أن أبا على الطبرى الفقيه الشافعى أحد رواة الكتاب ضبطه بفتح الراء وكسر الدال والردف والرديف هو الراكب خلف الراكب يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال فى الماضى وفتحها فى المضارع اذا ركبت خلفه وأردفته أنا وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز قال القاضي ولا وجه لرواية الطبرى الا أن يكون فعل هنا اسم فاعل مثل عجل وزمن ان صحت رواية الطبرى والله تعالى أعلم قوله ليس بينى وبينه الا مؤخرة الرحل أراد المبالغة فى شدة قربه ليكون
(1/230)

أوقع فى نفس سامعه لكونه أضبط وأما مؤخرة الرحل فبضم الميم بعده همزة ساكنة ثم خاء مكسورة هذا هو الصحيح وفيه لغة أخرى مؤخرة بفتح الهمزة والخاء المشددة قال القاضي عياض رحمه الله أنكر بن قتيبة فتح الخاء وقال ثابت مؤخرة الرحل ومقدمته بفتحهما ويقال آخرة الرحل بهمزة ممدودة وهذه أفصح وأشهر وقد جمع الجوهرى فى صحاحه فيها ست لغات فقال فى قادمتى الرحل ست لغات مقدم ومقدمة بكسر الدال مخففة ومقدم ومقدمة بفتح الدال مشددة وقادم وقادمة قال وكذلك هذه اللغات كلها فى آخرة الرحل وهى العود الذى يكون خلف الراكب ويجوز فى يا معاذ بن جبل وجهان لأهل العربية أشهرهما وأرجحهما فتح معاذ والثانى ضمه ولا خلاف فى نصب بن وقوله لبيك وسعديك فى معنى لبيك أقوال نشير هنا إلى بعضها وسيأتى ايضاحها فى كتاب الحج ان شاء الله تعالى والأظهر أن معناها اجابة لك بعد اجابة للتأكيد وقيل معناه قربا منك وطاعة لك وقيل أنا مقيم على طاعتك وقيل محبتى لك وقيل غير ذلك ومعنى سعديك أى ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وأما تكريره صلى الله عليه و سلم نداء معاذ رضى الله عنه فلتأكيد الاهتمام بما يخبره وليكمل تنبه معاذ فيما يسمعه وقد ثبت فى الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم كان اذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لهذا المعنى والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( هل تدرى ما حق الله على العباد وهل تدرى ما حق العباد على الله تعالى ) قال صاحب التحرير اعلم أن الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة والله سبحانه وتعالى هو الحق الموجود الأزلى الباقى الأبدى والموت والساعة والجنة والنار حق لأنها واقعة لا محالة واذا قيل للكلام الصدق حق فمعناه أن الشيء المخبر عنه بذلك الخبر واقع متحقق لاتردد فيه وكذلك الحق المستحق على العبد من غير أن يكون فيه تردد وتحير فحق الله تعالى على العباد معناه ما يستحقه عليهم متحتما عليهم وحق العباد على الله تعالى معناه أنه متحقق لا محالة هذا كلام صاحب التحرير وقال غيره انما قال حقهم على الله تعالى على جهة المقابلة لحقه عليهم ويجوز أن يكون من نحو قول الرجل لصاحبه حقك واجب على أى متأكد قيامى
(1/231)

به ومنه قول النبى صلى الله عليه و سلم حق على كل مسلم أن يغتسل فى كل سبعة أيام والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ) فقد تقدم فى أواخر الباب الأول من كتاب الايمان بيانه ووجه الجمع بين هذين اللفظين والله أعلم قوله ( كنت ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم على حمار يقال له عفير ) بعين مهملة مضمومة ثم فاء مفتوحة هذا هو الصواب فى الرواية وفى الأصول المعتمدة وفى كتب أهل المعرفة بذلك قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وقول القاضي عياض رحمه الله انه بغين معجمة متروك قال الشيخ وهو الحمار الذى كان له صلى الله عليه و سلم قيل انه مات فى حجة الوداع قال وهذا الحديث يقتضى أن يكون هذا فى مرة أخرى غير المرة المتقدمة فى الحديث السابق فان مؤخرة الرحل تختص بالابل ولا تكون على حمار قلت ويحتمل ان يكونا قضية واحدة وأراد بالحديث الأول قدر مؤخرة الرحل والله أعلم قوله ( عن أبى حصين ) هو بفتح الحاء وكسر الصاد واسمه عاصم وقد تقدم بيانه فى أول مقدمة الكتاب
(1/232)

قوله صلى الله عليه و سلم فى حديث محمد بن مثنى وبن بشار ( أن يعبد الله ولا يشرك به شيء ) هكذا ضبطناه يعبد بضم المثناة تحت وشيء بالرفع وهذا ظاهر وقال الشيخ أبو عمرو رحمه الله ووقع فى الاصول شيئا بالنصب وهو صحيح على التردد فى قوله يعبد الله ولا يشرك به شيئا بين وجوه ثلاثة أحدها يعبد الله بفتح الياء التى هي للمذكر الغائب أى يعبد العبد الله ولا يشرك به شيئا قال وهذا الوجه أوجه الوجوه والثانى تعبد بفتح المثناة فوق للمخاطب على التخصيص لمعاذ لكونه المخاطب والتنبيه على غيره والثالث يعبد بضم أوله ويكون شيئا كناية عن المصدر لا عن المفعول به أى لا يشرك به اشراكا ويكون الجار والمجرور هو القائم مقام الفاعل قال واذا لم تعين الرواية شيئا من هذه الوجوه فحق على من يروى هذا الحديث منا أن ينطق بها كلها واحدا بعد واحد ليكون آتيا بما هو المقول منها فى نفس الأمر جزما والله أعلم هذا آخر كلام الشيخ وما ذكرناه أولا صحيح فى الرواية والمعنى والله أعلم قوله ( نحو حديثهم ) يعنى أن القاسم بن زكريا شيخ مسلم فى الرواية الرابعة رواه نحو رواية شيوخ مسلم الأربعة المذكورين فى الروايات الثلاث المتقدمة وهم هداب وأبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن مثنى وبن بشار والله أعلم وقوله فى رواية القاسم هذه ( حدثنا القاسم حدثنا حسين عن زائدة ) هكذا هو فى الأصول كلها حسين بالسين وهو الصواب وقال القاضي
(1/233)

عياض وقع فى بعض الأصول حصين بالصاد وهو غلط وهو حسين بن على الجعفى وقد تكررت روايته عن زائدة فى الكتاب ولا يعرف حصين بالصاد عن زائدة والله أعلم قوله ( حدثنى أبو كثير ) هو بالمثلثة واسمه يزيد بالزاى بن عبد الرحمن بن أذينة ويقال بن غفيلة بضم الغين المعجمة وبالفاء ويقال بن عبد الله بن أذينة قال أبو عوانة الاسفراينى فى مسنده غفيلة أصح من أذينة قوله ( كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه و سلم معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فى نفر ) قال أهل اللغة يقال قعدنا حوله وحوليه وحواليه وحواله بفتح الحاء واللام فى جميعهما أى على جوانبه قالوا ولا يقال حواليه بكسر اللام وأما قوله ومعنا أبو بكر وعمر فهو من فصيح الكلام وحسن الاخبار فانهم اذا أرادوا الاخبار عن جماعة فاستكثروا أن يذكروا جميعهم بأسمائهم ذكروا أشرافهم أو بعض أشرافهم ثم قالوا وغيرهم وأما قوله معنا بفتح العين هذه اللغة المشهورة ويجوز تسكينها فى لغة حكاها صاحب المحكم والجوهرى وغيرهما وهى للمصاحبة قال صاحب المحكم مع اسم معناه الصحبة وكذلك مع باسكان العين غير أن المحركة تكون اسما وحرفا والساكنة لا تكون الا حرفا قال اللحيانى قال الكسائى ربيعة وغنم يسكنون فيقولون معكم ومعنا فاذا جاءت الالف واللام أو ألف الوصل اختلفوا فبعضهم يفتح العين وبعضهم يكسرها فيقولون مع القوم ومع ابنك وبعضهم يقول مع القوم ومع ابنك أما من فتح فبناه على قولك كنا معا ونحن معا فلما جعلها حرفا وأخرجها عن الاسم حذف الالف وترك العين على فتحتها وهذه لغة عامة العرب وأما من سكن ثم كسر عند ألف الوصل فأخرجه مخرج الأدوات مثل هل وبل فقال مع القوم كقولك هل القوم وبل القوم وهذه الاحرف التى ذكرتها فى مع وان لم يكن هذا موضعها فلا ضرر فى التنبيه عليها لكثرة تردادها والله أعلم قوله ( فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين أظهرنا ) وقال بعده كنت بين أظهرنا هكذا هو فى الموضعين أظهرنا وقال القاضي عياض رحمه الله ووقع الثانى فى بعض الاصول ظهرينا
(1/234)

وكلاهما صحيح قال أهل اللغة يقال نحن بين أظهركم وظهريكم وظهرانيكم بفتح النون أى بينكم قوله ( وخشينا أن يقتطع دوننا ) أى يصاب بمكروه من عدو اما بأسر واما بغيره قوله ( وفزعنا وقمنا فكنت أول من فزع ) قال القاضي عياض رحمه الله الفزع يكون بمعنى الروع وبمعنى الهبوب للشىء والاهتمام به وبمعنى الاغاثة قال فتصح هذه المعانى الثلاثة أى ذعرنا لاحتباس النبى صلى الله عليه و سلم عنا ألا تراه كيف قال وخشينا أن يقتطع دوننا ويدل على الوجهين الآخرين قوله فكنت أول من فزع قوله ( حتى أتيت حائطا للانصار ) أى بستانا وسمى بذلك لأنه حائط لا سقف له قوله ( فاذا ربيع يدخل فى جوف حائط من بئر خارجة والربيع الجدول ) أما الربيع فبفتح الراء على لفظ الربيع الفصل المعروف والجدول بفتح الجيم وهو النهر الصغير وجمع الربيع أربعاء كنبى وأنبياء وقوله بئر خارجة هكذا ضبطناه بالتنوين فى بئر وفى خارجة على أن خارجة صفة لبئر وكذا نقله الشيخ أبو عمرو بن الصلاح عن الأصل الذى هو بخط الحافظ أبى عامر العبدرى والأصل المأخوذ عن الجلودى وذكر الحافظ أبو موسى الاصبهانى وغيره أنه روى على ثلاثة أوجه أحدها هذا والثانى من بئر خارجه بتنوين بئر وبهاء فى آخر خارجة مضمومة وهى هاء ضمير الحائط أى البئر فى موضع خارج عن الحائط والثالث من بئر خارجة باضافة بئر إلى خارجة آخره تاء التأنيث وهو اسم رجل والوجه الأول هو المشهور الظاهر وخالف هذا صاحب التحرير فقال الصحيح هو الوجه الثالث قال والأول تصحيف قال والبئر يعنون بها البستان قال وكثيرا ما يفعلون هذا فيسمون البساتين بالآبار التى فيها يقولون بئر أريس وبئر بضاعة وبئر حاء وكلها بساتين هذا كلام صاحب التحرير وأكثره أو كله لا يوافق عليه والله أعلم والبئر مؤنثة مهموزة يجوز تخفيف همزتها وهى مشتقة من بأرت أى حفرت وجمعها فى القلة أبؤر وأبآر بهمزة بعد الباء فيهما ومن العرب من يقلب
(1/235)

الهمزة فى آبار وينقل فيقول آبار وجمعها فى الكثرة بئار بكسر الباء بعدها همزة والله أعلم قوله ( فاحتفزت كما يحتفز الثعلب ) هذا قد روى على وجهين روى بالزاى وروى بالراء قال القاضي عياض رواه عامة شيوخنا بالراء عن العبدرى وغيره قال وسمعنا عن الاسدى عن أبى الليث الشاشى عن عبد الغافر الفارسى عن الجلودى بالزاى وهو الصواب ومعناه نضاممت ليسعنى المدخل وكذا قال الشيخ أبو عمرو انه بالزاى فى الأصل الذى بخط أبى عامر العبدرى وفى الأصل المأخوذ عن الجلودى وانها رواية الاكثرين وان رواية الزاى أقرب من حيث المعنى ويدل عليه تشبيهه بفعل الثعلب وهو تضامه فى المضايق وأما صاحب التحرير فأنكر الزاى وخطأ رواتها واختار الراء وليس اختياره بمختار والله أعلم قوله ( فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو هريرة فقلت نعم ) معناه أنت أبو هريرة قوله ( فقال يا أبا هريرة وأعطانى نعليه وقال اذهب بنعلى هاتين ) فى هذا الكلام فائدة لطيفة فانه أعاد لفظه قال وإنما أعادها لطول الكلام وحصول الفصل بقوله يا أبا هريرة وأعطانى نعليه وهذا حسن وهو موجود فى كلام العرب بل جاء أيضا فى كلام الله تعالى قال الله تبارك وتعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به قال الامام أبو الحسن الواحدى قال محمد بن يزيد قوله تعالى فلما جاءهم تكرير للأول لطول الكلام قال ومثله قوله تعالى أيعدكم أنكم اذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون أعاد أنكم لطول الكلام والله أعلم وأما اعطاؤه النعلين فلتكون علامة ظاهرة معلومة عندهم يعرفون بها أنه لقى النبى صلى الله عليه و سلم ويكون أوقع فى نفوسهم لما يخبرهم به عنه صلى الله عليه و سلم ولا ينكر كون مثل هذا يفيد تأكيدا وان كان خبره مقبولا من غير هذا والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم
(1/236)