باب بيان كون النهى عن المنكر من الايمان
 
( باب بيان كون النهى عن المنكر من الايمان ( وأن الايمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان ) [ 49 ] قوله ( أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان قال القاضي عياض رحمه الله اختلف في هذا فوقع هنا ما نراه وقيل أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان رضى الله عنه وقيل عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا ينتظرون الخطبة وقيل بل ليدرك الصلاة من تأخر وبعد منزله وقيل أول من فعله معاوية وقيل فعله بن الزبير رضى الله عنه والذى ثبت عن النبى صلى الله عليه و سلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم تقديم الصلاة وعليه جماعة فقهاء الامصار وقد عده بعضهم اجماعا يعنى والله أعلم بعد الخلاف أولم يلتفت إلى خلاف بنى أمية بعد اجماع الخلفاء والصدر الاول وفي قوله بعد هذا أما هذا فقد قضى ما عليه بمحضر من ذلك الجمع العظيم دليل على استقرار السنة عندهم على خلاف ما فعله مروان وبينه أيضا احتجاجه بقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره ولا يسمى منكرا لو اعتقده ومن حضر أوسبق به عمل أو مضت به سنة وفي هذا دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان وأن ما حكى عن عمر وعثمان ومعاوية لا يصح والله أعلم قوله ( فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا )
(2/21)

فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده الحديث ) قد يقال كيف تأخر أبو سعيد رضى الله عنه عن انكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل وجوابه أنه يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضرا أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة فأنكر عليه الرجل ثم دخل أبو سعيد وهما في الكلام ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضرا من الأول ولكنه خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب انكاره فسقط عنه الانكار ولم يخف ذلك الرجل شيئا لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك أو أنه خاف وخاطر بنفسه وذلك جائز في مثل هذا بل مستحب ويحتمل أن أبا سعيد هم بالإنكار فبدره الرجل فعضده أبو سعيد والله أعلم ثم أنه جاء في الحديث الآخر الذى اتفق البخارى ومسلم رضى الله عنهما على اخراجه في باب صلاة العيد أن أبا سعيد هو الذى جذب بيد مروان حين رآه يصعد المنبر وكانا جاءا معا فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل فيحتمل أنهما قضيتان أحداهما لأبى سعيد والاخرى للرجل بحضرة أبى سعيد والله أعلم وأما قوله فقد قضى ما عليه ففيه تصريح بالانكار أيضا من أبى سعيد وأما قوله صلى الله عليه و سلم فليغيره فهو أمر ايجاب باجماع الامة وقد تطابق على وجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة واجماع الامة وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين ولم يخالف في ذلك الا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم كما قال الامام أبو المعالى امام الحرمين لا يكترث بخلافهم فى هذا فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافا للمعتزلة وأما قول الله عز و جل عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم فليس مخالفا لما ذكرناه لان المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية انكم اذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى واذا كان كذلك فمما كلف به الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإنما
(2/22)

عليه الأمر والنهى لا القبول والله أعلم ثم ان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية اذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين واذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ثم أنه قد يتعين كما اذا كان في موضع لا يعلم به الا هو أولا يتمكن من ازالته الا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف قال العلماء رضى الله عنهم ولا يسقط عن المكلف الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين وقد قدمنا أن الذى عليه الامر والنهى لا القبول وكما قال الله عز و جل ما على الرسول الا البلاغ ومثل العلماء هذا بمن يرى انسانا في الحمام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك والله أعلم قال العلماء ولا يشترط في الآمر والناهى أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه بل عليه الامر وان كان مخلا بما يأمر به والنهى وان كان متلبسا بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الاخلال بالآخر قال العلماء ولا يختص الامر بالمعروف والنهى عن المنكر باصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين قال امام الحرمين والدليل عليه اجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذى يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين اياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من غير ولاية والله أعلم ثم أنه انما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه وذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها وان كان من دقائق الافعال والاقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم انكاره بل ذلك للعلماء ثم العلماء انما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا انكار فيه لان على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم وعلى المذهب الآخر المصيب واحد والمخطىء غير متعين لنا والاثم مرفوع عنه لكن ان ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق فان العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف اذا لم يلزم منه اخلال بسنة أو وقوع فى خلاف آخر وذكر أقضى القضاة أبو الحسن الماوردى البصرى الشافعى فى كتابه الاحكام السلطانية خلافا بين العلماء في أن من قلده
(2/23)

السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء اذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد أم لا يغير ما كان على مذهب غيره والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضى الله عنهم أجمعين ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره وكذلك قالوا ليس للمفتى ولا للقاضى أن يعترض على من خالفه اذا لم يخالف نصا أو اجماعا أوقياسا جليا والله أعلم واعلم أن هذا الباب أعنى باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه فى هذه الازمان الا رسوم قليلة جدا وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه واذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح واذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فينبغي لطالب الآخرة والساعى في تحصيل رضا الله عز و جل أن يعتنى بهذا الباب فان نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فان الله تعالى قال ولينصرن الله من ينصره وقال تعالى ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال تعالى أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين واعلم أن الاجر على قدر النصب ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فان صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها وصديق الانسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وأن أدى ذلك إلى نقص في دنياه وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وان حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وانما كان ابليس عدوا لنا لهذا وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم فى مصالح آخرتهم وهدايتهم اليها ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته وأن يعمنا بجوده ورحمته والله أعلم وينبغى للآمر بالمعروف والناهى عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب فقد قال الامام الشافعى رضى الله عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ومما يتساهل اكثر الناس فيه من هذا الباب ما اذا رأى انسانا يبيع متاعا معيبا أو نحوه فإنهم لا ينكرون ذلك ولا يعرفون المشترى بعيبه وهذا خطأ ظاهر وقد
(2/24)

نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع وأن يعلم المشترى به والله أعلم وأما صفة النهى ومراتبه فقد قال النبى صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث الصحيح فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه فقوله صلى الله عليه و سلم فبقلبه معناه فليكرهه بقلبه وليس ذلك بازالة وتغيير منه للمنكر ولكنه هو الذى فى وسعه وقوله صلى الله عليه و سلم ( وذلك أضعف الايمان ) معناه والله أعلم أقله ثمرة قال القاضي عياض رحمه الله هذا الحديث أصل فى صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره اذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذى العزة الظالم المخوف شره اذ ذلك أدعى إلى قبول قوله كما يستحب أن يكون متولى ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى ويغلظ على المتمادى في غيه والمسرف في بطالته اذا أمن أن يؤثر اغلاظه منكرا أشد مما غيره لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم فان غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف فان خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة وهذا هو المراد بالحديث ان شاء الله تعالى وان وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى اظهار سلاح وحرب وليرفع ذلك إلى من له الأمر ان كان المنكر من غيره أو يقتصر على تغييره بقلبه هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين خلافا لمن رأى الانكار بالتصريح بكل حال وان قتل ونيل منه كل أذى هذا آخر كلام القاضي رحمه الله قال امام الحرمين رحمه الله ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة ان لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الامر إلى نصب قتال وشهر سلاح فان انتهى الامر إلى ذلك ربط الامر بالسلطان قال واذا جار والى الوقت وظهر ظلمه وغشمه ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول فلاهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الاسلحة ونصب الحروب هذا كلام امام الحرمين وهذا الذى ذكره من خلعه غريب ومع هذا فهو محمول
(2/25)

على ما اذا لم يخف منه اثارة مفسدة أعظم منه قال وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون بل ان عثر على منكر غيره جهده هذا كلام امام الحرمين وقال أقضى القضاة الماوردى ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات فان غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان أحدهما أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزنى بها فيجوز له فى مثل هذا الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات مالا يستدرك وكذا لوعرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جازلهم الاقدام على الكشف والانكار الضرب الثانى ما قصر عن هذه الرتبه فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الاستار عنه فان سمع أصوات الملاهى المنكرة من دار أنكرها خارج الدار لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر وليس عليه أن يكشف عن الباطن وقد ذكر الماوردى في آخر الاحكام السلطانية بابا حسنا فى الحسبة مشتملا على جمل من قواعد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد أشرنا هنا إلى مقاصدها وبسطت الكلام فى هذا الباب لعظم فائدته وكثرة الحاجة إليه وكونه من أعظم قواعد الاسلام والله أعلم قوله ( وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبى سعيد وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبى سعيد ) فقوله وعن قيس معطوف على إسماعيل معناه رواه الأعمش عن إسماعيل عن قيس والله أعلم [ 50 ] قوله ( عن صالح بن كيسان عن الحرث عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن
(2/26)

عبد الرحمن بن المسور عن أبى رافع عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى الا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل قال أبورافع فحدثت عبد الله بن عمر رضى الله عنهما فانكره علي فقدم بن مسعود رضي الله عنه فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعوده فانطلقت معه فلما جلسنا سألت بن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته بن عمر قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبى رافع ) أما الحرث فهو بن فضيل الانصارى الخطمى أبو عبد الله المدنى روى عن عبد الرحمن بن أبى قراد الصحابى قال يحيى بن معين هو ثقة وأما أبو رافع فهو مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم والأصح أن اسمه أسلم وقيل ابراهيم وقيل هرمز وقيل ثابت وقيل يزيد وهو غريب حكاه بن الجوزى فى كتابه جامع المسانيد
(2/27)

وفى هذاالاسناد طريفة وهو أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض صالح والحرث وجعفر وعبد الرحمن وقد تقدم نظير هذا وقد جمعت فيه بحمد الله تعالى جزءا مشتملا على أحاديث رباعيات منها أربعة صحابيون بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض وأما قوله قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبى رافع فهو بضم التاء والحاء قال القاضي عياض رحمه الله معنى هذا أن صالح بن كيسان قال ان هذا الحديث روى عن أبى رافع عن النبى صلى الله عليه و سلم من غير ذكر بن مسعود فيه وقد ذكره البخارى كذلك في تاريخه مختصرا عن ابى رافع عن النبى صلى الله عليه و سلم وقد قال أبوعلى الجيانى عن أحمد بن حنبل رحمه الله قال هذا الحديث غير محفوظ قال وهذا الكلام لا يشبه كلام بن مسعود وبن مسعود يقول اصبروا حتى تلقونى هذا كلام القاضي رحمه الله وقال الشيخ أبو عمرو وهذا الحديث قد أنكره أحمد بن حنبل رحمه الله وقد روى عن الحرث هذا جماعة من الثقات ولم نجد له ذكرا في كتب الضعفاء وفى كتاب بن أبى حاتم عن يحيى بن معين أنه ثقة ثم أن الحرث لم ينفرد به بل توبع عليه على ما أشعر به كلام صالح بن كيسان المذكور وذكر الامام الدارقطنى رحمه الله في كتاب العلل أن هذا الحديث قد روى من وجوه أخر منها عن أبى واقد الليثى عن بن مسعود عن النبى صلى الله عليه و سلم وأما قوله اصبروا حتى تلقونى فذلك حيث يلزم من ذلك سفك الدماء أو اثارة الفتن أو نحو ذلك وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه اثارة فتنة على أن هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الامم وليس فى لفظه ذكر لهذه الامة هذا آخر كلام الشيخ أبى عمرو وهو ظاهر كما قال وقدح الامام أحمد رحمه الله في هذا بهذا عجب والله أعلم وأما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم فقال الأزهري وغيره هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم والخلصان الذين نقوا من كل عيب وقال غيرهم أنصارهم وقيل المجاهدون وقيل الذين يصلحون للخلافة بعدهم قوله صلى الله عليه و سلم ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف الضمير في انها هو الذى يسميه النحويون ضمير القصة والشأن ومعنى تخلف تحدث وهو بضم اللام وأما الخلوف فبضم الخاء وهو جمع خلف باسكان اللام وهوالخالف بشر وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير هذا هو الاشهر وقال جماعة وجماعات من أهل اللغة منهم أبو زيد يقال كل واحد منهما بالفتح والاسكان ومنهم من جوز الفتح في الشر ولم يجوز الاسكان في الخير والله أعلم قوله فنزل بقناة
(2/28)

هكذا هو في بعض الاصول المحققة بقناة بالقاف المفتوحة وآخره تاء التأنيث وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث وهكذا ذكره أبو عبد الله الحميدى في الجمع بين الصحيحين ووقع في أكثر الاصول ولمعظم رواة كتاب مسلم بفنائه بالفاء المكسورة وبالمد وآخره هاء الضمير قبلها همزة والفناء ما بين أيدى المنازل والدور وكذا رواه أبو عوانة الاسفراينى قال القاضي عياض رحمه الله فى رواية السمرقندى بقناة وهو الصواب وقناة واد من أودية المدينة عليه مال من أموالها قال ورواية الجمهور بفنائه وهو خطأ وتصحيف قوله صلى الله عليه و سلم ( يهتدون بهديه ) هو بفتح الهاء واسكان الدال أى بطريقته وسمته قول مسلم رحمه الله ( ولم يذكر قدوم بن مسعود واجتماع بن عمر معه ) هذا مما أنكره الحريرى في كتابه درة الغواص فقال لا يقال اجتمع فلان مع فلان وانما يقال اجتمع فلان وفلان وقد خالفه الجوهرى فقال فى صحاحه جامعه على كذا أى اجتمع معه