باب تفاضل أهل الايمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه
 
( باب تفاضل أهل الايمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه [ 51 ] في هذا الباب ( أشار النبى صلى الله عليه و سلم بيده نحو اليمن فقال الا أن الإيمان ها هنا وان القسوة )
(2/29)

وغلظ القلوب فى الفدادين عند أصول أذناب الابل حيث يطلع قرنا الشيطان فى ربيعة ومضر وفى رواية جاء أهل اليمن هم أرق أفئدة الايمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية وفى رواية أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية وفى رواية رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء فى أهل الخيل والابل الفدادين أهل الوبر والسكينة فى أهل الغنم
(2/30)

وفى رواية الايمان يمان والكفر قبل المشرق والسكينة فى أهل الغنم والفخر والرياء فى الفدادين أهل الخيل والوبر وفى رواية أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة الايمان يمان
(2/31)

والحكمة يمانية ورأس الكفر قبل المشرق وفي رواية غلظ القلوب والجفاء في المشرق والايمان في أهل الحجاز ) قد اختلف فى مواضع من هذا الحديث وقد جمعها القاضي عياض رحمه الله ونقحها مختصرة بعده الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله وأنا أحكى ما ذكره قال أما ما ذكر من نسبة الايمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الايمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى فحكى أبو عبيد امام الغرب ثم من بعده فى ذلك أقوالا أحدها أنه أراد بذلك مكة فانه يقال أن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن والثانى أن المراد مكة والمدينة فانه يروى فى الحديث أن النبى صلى الله عليه و سلم قال هذا الكلام وهو بتبوك ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن فاشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال الايمان يمان ونسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن كما قالوا الركن اليمانى وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن والثالث ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبى عبيد أن المراد بذلك الانصار لانهم يمانون فى الاصل فنسب الايمان اليهم لكونهم أنصاره قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ولما تركوا الظاهر ولقضوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن على ما هو المفهوم من اطلاق ذلك اذ من ألفاظه أتاكم أهل اليمن والانصار
(2/32)

من جملة المخاطبين بذلك فهم اذن غيرهم وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم جاء أهل اليمن وانما جاء حينئذ غير الانصار ثم أنه صلى الله عليه و سلم وصفهم بما يقضى بكمال ايمانهم ورتب عليه الايمان يمان فكان ذلك أشارة للايمان إلى من أتاه من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة ولا مانع من اجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة لان من اتصف بشيء وقوي قيامه به وتأكد اطلاعه منه ينسب ذلك الشيء إليه اشعارا بتميزه به وكمال حاله فيه وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ فى الايمان وحال الوافدين منه فى حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وفى أعقاب موته كأويس القرنى وأبي مسلم الخولانى رضى الله عنهما وشبههما ممن سلم قلبه وقوى ايمانه فكانت نسبة الايمان اليهم لذلك اشعارا بكمال ايمانهم من غير أن يكون فى ذلك نفى له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه و سلم الايمان فى أهل الحجاز ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن فى كل زمان فان اللفظ لا يقتضيه هذا هو الحق فى ذلك ونشكر الله تعالى على هدايتنا له والله اعلم قال وأما ما ذكر من الفقه والحكمة فالفقه هنا عبارة عن الفهم فى الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بادراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها وأما الحكمة ففيها أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائليها على بعض صفات الحكمة وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وقال أبو بكر بن دريد كل كلمة وعظتك وزجرتك أودعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم ومنه قول النبى صلى الله عليه و سلم ان من الشعر حكمة وفى بعض الروايات حكما والله أعلم قال الشيخ وقوله صلى الله عليه و سلم يمان ويمانية هو بتخفيف الياء عند جماهير اهل العربية لأن الألف المزيدة فيه عوض من ياء النسب المشددة فلا يجمع بينهما وقال بن السيد فى كتابه الاقتضاب حكى المبرد وغيره أن التشديد لغة قال الشيخ وهذا غريب قلت وقد حكى الجوهرى وصاحب المطالع وغيرهما من العلماء عن سيبويه أنه حكى عن بعض العرب أنهم يقولون اليمانى بالياء المشددة وأنشد لأمية بن خلف ... يمانيا يظل يشب كيرا ... وينفخ دائما لهب الشواظ ...
( والله أعلم قال الشيخ وقوله صلى الله عليه و سلم ألين قلوبا وأرق أفئدة المشهور أن )
(2/33)

الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون كرر لفظ القلوب بلفظين وهو أولى من تكريره بلفظ واحد وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب وقيل باطن القلب وقيل غشاء القلب وأما وصفها باللين والرفة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التى وصف بها قلوب الآخرين قال وقوله صلى الله عليه و سلم فى الفدادين فزعم أبو عمرو الشيبانى انه بتخفيف الدال وهو جمع فداد بتشديد الدال وهو عبارة عن البقر التى يحرث عليها حكاه عنه أبو عبيد وأنكره عليه وعلى هذا المراد بذلك أصحابها فحذف المضاف والصواب فى الفدادين بتشديد الدال جمع فداد بدالين أولاهما مشددة وهذا قول أهل الحديث والاصمعى وجمهور أهل اللغة وهو من الفديد وهو الصوت الشديد فهم الذين تعلو أصواتهم في ابلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى هم المكثرون من الابل الذين يملك أحدهم المائتين منها إلى الالف وقوله ان القسو فى الفدادين عند أصول أذناب الابل معناه الذين لهم جلبة وصياح عند سوقهم لها وقوله صلى الله عليه و سلم حيث يطلع فرنا الشيطان فى ربيعة ومضر قوله ربيعة ومضر بدل من الفدادين وأما قرنا الشيطان فجانبا رأسه وقيل هما جمعاه اللذان يغريهما باضلال الناس وقيل شيعتاه من الكفار والمراد بذلك اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر كما قال فى الحديث الآخر رأس الكفر نحو المشرق وكان ذلك فى عهده صلى الله عليه و سلم حين قال ذلك ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ومثار الكفرة الترك الغاشمة العاتية الشديدة البأس وأما قوله صلى الله عليه و سلم الفخر والخيلاء فالفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما والخيلاء الكبر واحتقار الناس وأما قوله فى أهل الخيل والابل الفدادين أهل الوبر فالوبر وان كان من الابل دون الخيل فلا يمتنع أن يكون قد وصفهم بكونهم جامعين بين الخيل والابل والوبر وأما قوله صلى الله عليه و سلم والسكينة فى أهل الغنم فالسكينة الطمأنينة والسكون على خلاف ما ذكره من صفة الفدادين هذا آخر ما ذكره الشيخ أبو عمرو رحمه الله وفيه كفاية فلا نطول بزيادة عليه والله أعلم وأما أسانيد الباب فقال مسلم رحمه الله حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا أبو أسامة قال وحدثنا بن نمير حدثنا أبى قال وحدثنا أبو كريب حدثنا بن ادريس كلهم عن إسماعيل بن أبى خالد قال وحدثنا يحيى بن حبيب حدثنا
(2/34)

معتمر عن إسماعيل قال سمعت قيسا يروى عن أبى مسعود هؤلاء الرجال كلهم كوفيون الا يحيى بن حبيب ومعتمرا فانهما بصريان وقد تقدم أن اسم بن أبى شيبة عبد الله بن محمد بن ابراهيم بن أبى شيبة وأن أبا أسامة حماد بن اسامة وبن نمير محمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب محمد بن العلاء وبن ادريس عبد الله وأبو خالد هرمز وقيل سعد وقيل كثير وأبو مسعود عقبة بن عمرو الانصارى البدرى رضى الله عنهم وفى الاسناد الآخر الدارمى وقد تقدم في مقدمة الكتاب أنه منسوب إلى جد للقبيلة اسمة دارم وفيه أبو اليمان واسمه الحكم بن نافع وبعده أبو معاوية محمد بن خازم بالخاء المعجمة والاعمش سليمان بن مهران وابو صالح ذكوان وبن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس وكل هذا وان كان ظاهرا وقد تقدم فانما أقصد بتكريره وذكره الايضاح لمن لا يكون من أهل هذا الشأن فربما وقف على هذا الباب وأراد معرفة اسم بعض هؤلاء ليتوصل به إلى مطالعة ترجمته ومعرفة حاله أوغير ذلك من الاغراض فسهلت عليه الطريق بعبارة مختصرة والله أعلم بالصواب