باب بيان حال ايمان من رغب عن أبيه وهو يعلم
 
( باب بيان حال ايمان من رغب عن أبيه وهو يعلم [ 62 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر وفى الرواية )
(2/51)

الأخرى من ادعى أبا فى الاسلام غير أبيه يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) أما الرواية الأولى فقد تقدم شرحها فى الباب الذى قبل هذا وأما قوله صلى الله عليه و سلم فالجنة عليه حرام ففيه التأويلان اللذان قدمناهما فى نظائره أحدهما أنه محمول على من فعله مستحلا له والثانى أن جزاءه أنها محرمة عليه أولا عند دخول الفائزين وأهل السلامة ثم انه قد يجازى فيمنعها عند دخولهم ثم يدخلها بعد ذلك وقد لا يجازى بل يعفو الله سبحانه وتعالى عنه ومعنى حرام ممنوعة ويقال رغب عن أبيه أى ترك الانتساب إليه وجحده يقال رغبت عن الشيء تركته وكرهته ورغبت فيه اخترته وطلبته وأما قول أبى عثمان لما ادعى زياد لقيت أبا بكرة فقلت له ما هذا الذى صنعتم انى سمعت سعد بن أبى وقاص يقول سمع أذناى من رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول من ادعى أبا فى الاسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام فقال أبو بكرة أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فمعنى هذا الكلام الانكار على أبى بكرة وذلك أن زيادا هذا المذكور هو المعروف بزياد بن أبى سفيان ويقال فيه زياد بن أبيه ويقال زياد بن أمه وهو أخو أبى بكرة لأمه وكان يعرف بزياد بن عبيد الثقفى ثم ادعاه معاوية بن أبى سفيان وألحقه بأبيه أبى سفيان وصار من جملة أصحابه بعد أن كان من أصحاب على بن أبى طالب رضى الله عنه فلهذا قال أبو عثمان لأبى بكرة ما هذا الذى صنعتم وكان أبو بكرة رضى الله عنه ممن أنكر ذلك وهجر بسببه زيادا وحلف أن لا يكلمه أبدا ولعل أبا عثمان لم يبلغه انكار أبى بكرة حين قال له هذا الكلام أو يكون مراده بقوله ما هذا الذى صنعتم أى ما هذا الذى جرى من أخيك ما أقبحه وأعظم عقوبته فان النبى صلى الله عليه و سلم حرم على فاعله الجنة وقوله ادعى ضبطناه بضم الدال وكسر العين مبنى لما لم يسم فاعله أى ادعاه معاوية ووجد بخط الحافظ أبى عامر العبدرى ادعى بفتح الدال والعين على أن زيادا
(2/52)

هو الفاعل وهذا له وجه من حيث ان معاوية ادعاه وصدقه زياد فصار زياد مدعيا أنه بن أبى سفيان والله اعلم وأما قول سعد سمع أذناى فهكذا ضبطناه سمع بكسر الميم وفتح العين وأذناى بالتثنية وكذا نقل الشيخ أبو عمرو كونه أذناى بالألف على التثنية عن رواية أبى الفتح السمرقندى عن عبد الغافر قال وهو فيما يعتمد من أصل أبى القاسم العساكرى وغيره أذنى بغير ألف وحكى القاضي عياض أن بعضهم ضبطه باسكان الميم وفتح العين على المصدر وأذنى بلفظ الافراد قال وضبطناه من طريق الجيانى بضم العين مع اسكان الميم وهو الوجه قال سيبويه العرب تقول سمع أذنى زيدا يقول كذا وحكى عن القاضي الحافظ أبى على بن سكرة أنه ضبطه بكسر الميم كما ذكرناه أولا وأنكره القاضي وليس انكاره بشيء بل الأوجه المذكورة كلها صحيحة ظاهرة ويؤيد كسر الميم قوله فى الرواية الاخرى سمعته أذناى ووعاه قلبى والله أعلم وأما قوله فى الرواية الاخرى سمعته أذناى ووعاه قلبى محمدا صلى الله عليه و سلم فنصب محمدا على البدل من الضمير فى سمعته أذناى ومعنى وعاه حفظه والله أعلم وأما ما يتعلق بالاسناد ففيه هارون الايلى بالمثناة وعراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء وبالكاف وفيه أبو عثمان وهو النهدى بفتح النون واسمه عبد الرحمن بن مل بفتح الميم وكسرها وضمها مع تشديد اللام ويقال ملء بالكسر مع اسكان اللام وبعدها همزة وقد تقدم بيانه فى شرح آخر المقدمة وأما أبو بكرة فاسمه نفيع بن الحرث بن كلدة بفتح الكاف واللام وأمه وأم أخيه زياد سمية أمة الحرث بن كلدة وقيل له أبو بكرة لأنه تدلى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من حصن الطائف ببكرة مات بالبصرة سنة احدى وقيل اثنتين وخمسين رضى الله عنه والله سبحانه وتعالى أعلم