باب غلظ تحريم الغلول وانه لا يدخل الجنة الإ المؤمنون
 
( باب غلظ تحريم الغلول وانه لا يدخل الجنة الإ المؤمنون [ 114 ] فيه عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال ( لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبى صلى الله عليه و سلم فقالوا فلان شهيد فلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كلا إنى رأيته فى النار فى بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا بن الخطاب اذهب فناد فى الناس انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون قال فخرجت فناديت )
(2/127)

ألا انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون ) وفيه حديث أبى هريرة من نحو معناه فى الاسناد أبو زميل بضم الزاى وتخفيف الميم المفتوحة وتقدم وقوله لما كان يوم خيبر هو بالخاء المعجمة وآخره راء فهكذا وقع فى مسلم وهو الصواب وذكر القاضي عياض رحمه الله أن أكثر رواة الموطأ رووه هكذا وأنه الصواب قال ورواه بعضهم حنين بالحاء المهملة والنون والله أعلم وقوله صلى الله عليه و سلم كلا زجر ورد لقولهم فى هذا الرجل انه شهيد محكوم له بالجنة أول وهلة بل هو فى النار بسبب غلوله [ 115 ] وقوله ( ثور بن زيد الديلى ) هو هنا بكسر الدال واسكان الياء هكذا هو فى أكثر الاصول الموجودة ببلادنا وفى بعضها الدؤلى بضم الدال وبالهمزة بعدها التى تكتب صورتها واوا وذكر القاضي عياض رحمه الله أنه ضبطه هنا عن أبى بحر دولى بضم الدال وبواو ساكنة قال وضبطناه عن غيره بكسر الدال واسكان الياء قال وكذا ذكره مالك فى الموطأ والبخارى فى التاريخ وغيرهما قلت وقد ذكر أبو على الغسانى أن ثورا هذا من رهط أبى الأسود فعلى هذا يكون فيه الخلاف الذى قدمناه قريبا فى أبى الاسود وقوله ( عن سالم أبى الغيث مولى بن مطيع ) هذا صحيح وفيه التصريح بأن أبا الغيث هذا يسمى سالما وأما قول أبى عمر بن عبد البر فى أول كتابه التمهيد لا يوقف على اسمه صحيحا فليس بمعارض لهذا الاثبات الصحيح واسم بن مطيع عبد الله بن مطيع بن الاسود القرشى والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم انى رأيته فى النار فى بردة غلها أو عباءة أما البردة بضم الباء فكساء مخطط وهى الشملة والنمرة وقال أبو عبيد هو كساء أسود فيه صور وجمعها برد بفتح الراء وأما العباءة فمعروفة وهى ممدودة ويقال فيها أيضا عباية بالياء قاله بن السكيت وغيره وقوله صلى الله عليه و سلم فى بردة أى من أجلها وبسببها وأما الغلول فقال أبو عبيد هو الخيانة
(2/128)

فى الغنيمة خاصة وقال غيره هي الخيانة فى كل شيء ويقال منه غل يغل بضم الغين وقوله ( رجل من بنى الضبيب ) هو بضم الضاد المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم باء موحدة قوله ( يحل رحله ) هو بالحاء المهملة وهو مركب الرجل على البعير وقوله ( فكان فيه حتفه ) هو بفتح الحاء المهملة واسكان المثناة فوق أى موته وجمعه حتوف ومات حتف أنفه أى من غير قتل ولا ضرب قوله ( فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبت يوم خيبر ) كذا هو فى الاصول وهو صحيح وفيه حذف المفعول أى أصبت هذا والشراك بكسر الشين المعجمة وهو السير المعروف الذى يكون في النعل على ظهر القدم قال القاضي عياض رحمه الله قوله النبى صلى الله عليه و سلم ( ان الشملة لتلتهب عليه نارا ) وقوله صلى الله عليه و سلم ( شراك أو شراكان من نار ) تنبيه على المعاقبة عليهما وقد تكون المعاقبة بهما أنفسهما فيعذب بهما وهما من نار وقد يكون ذلك على أنهما سبب لعذاب النار والله أعلم وأما قوله ( ومع النبى صلى الله عليه و سلم عبد له ) فاسمه مدعم بكسر الميم واسكان الدال وفتح العين المهملتين كذا جاء مصرحا به فى الموطأ فى هذا الحديث بعينه قال القاضي عياض رحمه الله وقيل انه غير مدعم قال وورد فى حديث مثل هذا اسمه كركرة ذكره البخارى هذا كلام القاضي وكركرة بفتح الكاف الاولى وكسرها وأما
(2/129)

الثانية فمكسورة فيهما والله أعلم وأما أحكام الحديثين فمنها غلظ تحريم الغلول ومنها أنه لا فرق بين قليله وكثيره حتى الشراك ومنها أن الغلول يمنع من اطلاق اسم الشهادة على من غل اذا قتل وسيأتى بسط هذا ان شاء الله تعالى ومنها انه لا يدخل الجنة أحد ممن مات على الكفر وهذا باجماع المسلمين ومنها جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لقوله صلى الله عليه و سلم والذى نفس محمد بيده ومنها ان من غل شيئا من الغنيمة يجب عليه رده وأنه اذا رده يقبل منه ولا يحرق متاعه سواء رده أو لم يرده فانه صلى الله عليه و سلم لم يحرق متاع صاحب الشملة وصاحب الشراك ولو كان واجبا لفعله ولو فعله لنقل وأما الحديث من غل فأحرقوا متاعه واضربوه وفى رواية واضربوا عنقه فضعيف بين بن عبدالبر وغيره ضعفه قال الطحاوى رحمه الله ولو كان صحيحا لكان منسوخا ويكون هذا حين كانت العقوبات فى الأموال والله اعلم