باب بيان حكم عمل الكافر اذا أسلم بعده
 
( باب بيان حكم عمل الكافر اذا أسلم بعده [ 123 ] فيه حديث حكيم بن حزام رضى الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم ( أرأيت أمورا كنت أتحنث بها فى الجاهلية هل لى فيها من شيء فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أسلمت على ما أسلفت من خير ) أما التحنث فهو التعبد كما فسره فى الحديث وفسره فى الرواية الأخرى بالتبرر وهو فعل البر وهو الطاعة قال أهل اللغة أصل التحنث أن يفعل فعلا يخرج به من الحنث وهو الاثم وكذا تأثم وتحرج وتهجد أى فعل فعلا يخرج به عن الاثم والحرج والهجود وأما قوله صلى الله عليه و سلم أسلمت على ما أسلفت من خير فاختلف فى معناه فقال الامام أبو عبد الله المازرى رحمه الله ظاهره خلاف ما تقتضيه الاصول لأن الكافر لا يصح منه التقرب فلا يثاب على طاعته ويصح أن يكون مطيعا غير متقرب كنظيره فى الايمان فانه مطيع فيه من حيث كان موافقا للامر والطاعة عندنا موافقة الأمر ولكنه لا يكون متقربا لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا بالمتقرب إليه وهو فى حين نظره لم يحصل له العلم بالله تعالى بعد فاذا تقرر هذا علم أن الحديث متأول وهو يحتمل وجوها أحدها أن يكون معناه اكتسبت طباعا جميلة وأنت تنتفع بتلك الطباع فى الاسلام وتكون تلك العادة تمهيدا لك ومعونة على فعل الخير والثانى معناه اكتسبت بذلك )
(2/140)

ثناء جميلا فهو باق عليك فى الاسلام والثالث أنه لا يبعد أن يزاد فى حسناته التى يفعلها فى الاسلام ويكثر أجره لما تقدم له من الأفعال الجميلة وقد قالوا فى الكافر اذا كان يفعل الخير فانه يخفف عنه به فلا يبعد أن يزاد هذا فى الاجور هذا آخر كلام المازرى رحمه الله قال القاضي عياض رحمه الله وقيل معناه ببركة ما سبق لك من خير هداك الله تعالى إلى الاسلام وأن من ظهر منه خير فى أول أمره فهو دليل على سعادة آخره وحسن عاقبته هذا كلام القاضي وذهب بن بطال وغيره من المحققين إلى أن الحديث على ظاهره وأنه اذا أسلم الكافر ومات على الاسلام يثاب على ما فعله من الخير فى حال الكفر واستدلوا بحديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا أسلم الكافر فحسن اسلامه كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل سيئة زلفها وكان عمله بعد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها الا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى ذكره الدارقطنى فى غريب حديث مالك ورواه عنه من تسع طرق وثبت فيها كلها أن الكافر اذا حسن اسلامه يكتب له فى الاسلام كل حسنة عملها فى الشرك قال بن بطال رحمه الله تعالى
(2/141)

بعد ذكره الحديث ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما يشاء لا اعتراض لأحد عليه قال وهو كقوله صلى الله عليه و سلم لحكيم بن حزام رضى الله عنه أسلمت على ما أسلفت من خير والله أعلم وأما قول الفقهاء لا يصح من الكافر عبادة ولو أسلم لم يعتد بها فمرادهم أنه لا يعتد له بها فى أحكام الدنيا وليس فيه تعرض لثواب الآخرة فان أقدم قائل على التصريح بأنه اذا أسلم لا يثاب عليها فى الآخرة رد قوله بهذه السنة الصحيحة وقد يعتد ببعض أفعال الكفار فى أحكام الدنيا فقد قال الفقهاء اذا وجب على الكافر كفارة ظهار أو غيرها فكفر فى حال كفره أجزأه ذلك واذا أسلم لم تجب عليه اعادتها واختلف أصحاب الشافعى رحمه الله فيما اذا أجنب واغتسل فى حال كفره ثم أسلم هل تجب عليه اعادة الغسل أم لا وبالغ بعض أصحابنا فقال يصح من كل كافر كل طهارة من غسل ووضوء وتيمم واذا أسلم صلى بها والله أعلم وأما ما يتعلق بلفظ الباب فقوله ( أعتق مائة رقبة وحمل على مائة بعير ) معناه تصدق بها وفيه صالح عن بن شهاب عن عروة وهؤلاء ثلاثة تابعيون روى بعضهم عن بعض وقد قدمنا أمثال ذلك وفيه حكيم بن حزام الصحابى رضى الله عنه ومن مناقبه أنه ولد فى الكعبة قال بعض العلماء ولا يعرف أحد شاركه فى هذا قال العلماء ومن طرف أخباره أنه عاش ستين سنة فى الجاهلية وستين فى الاسلام وأسلم عام الفتح ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين فيكون المراد بالاسلام من حين ظهوره وانتشاره والله أعلم
(2/142)