باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة
 
( باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( نحن أحق بالشك من ابراهيم صلى الله عليه و سلم اذ قال رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى قال ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد ولو لبثت فى السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعى ) اختلف العلماء فى معنى نحن أحق بالشك من ابراهيم على أقوال كثيرة أحسنها وأصحها ما قاله الامام أبو ابراهيم المزنى صاحب الشافعى وجماعات من العلماء معناه ان الشك مستحيل فى حق ابراهيم فان الشك فى احياء الموتى لو كان متطرقا إلى الانبياء لكنت أنا أحق به من ابراهيم وقد علمتم أنى لم أشك فاعلموا ان ابراهيم عليه السلام لم يشك وانما خص ابراهيم صلى الله عليه و سلم لكون الآية قد يسبق إلى بعض الاذهان الفاسدة منها احتمال الشك وانما رجح ابراهيم على نفسه صلى الله عليه و سلم تواضعا وأدبا او قبل أن يعلم صلى الله عليه و سلم أنه خير ولد آدم قال صاحب التحرير قال جماعة من العلماء لما نزل قول الله تعالى أولم تؤمن قالت طائفة شك ابراهيم ولم يشك نبينا فقال النبى صلى الله عليه و سلم نحن أحق بالشك منه فذكر نحو ما قدمته ثم قال ويقع لى فيه معنيان أحدهما أنه خرج مخرج العادة فى الخطاب فان من أراد المدافعة عن انسان قال للمتكلم فيه ما كنت قائلا لفلان أو فاعلا معه من مكروه فقله لى وافعله معى ومقصودة لا تقل ذلك فيه والثانى أن معناه أن هذا الذى تظنونه شكا أنا أولى به فانه ليس بشك وانما هو طلب لمزيد اليقين وقيل غير هذا من الاقوال )
(2/183)

فنقتصر على هذه لكونها أصحها وأوضحها والله أعلم وأما سؤال ابراهيم صلى الله عليه و سلم فذكر العلماء فى سببه أوجها أظهرها أنه أراد الطمأنينة بعلم كيفية الاحياء مشاهدة بعد العلم بها استدلالا فان علم الاستدلال قد تتطرق إليه الشكوك فى الجملة بخلاف علم المعاينة فانه ضرورى وهذا مذهب الامام أبى منصور الازهرى وغيره والثانى أراد اختبار منزلته عند ربه فى اجابة دعائه وعلى هذا قالوا معنى قوله تعالى أولم تؤمن أي تصدق بعظم منزلتك عندى واصطفائك وخلتك والثالث سأل زيادة يقين وان لم يكن الاول شكا فسأل الترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فان بين العلمين تفاوتا قال سهل بن عبد الله التسترى رضى الله عنه سأل كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين تمكنا الرابع انه لما احتج على المشركين بأن ربه سبحانه وتعالى يحيي ويميت طلب ذلك منه سبحانه وتعالى ليظهر دليله عيانا وقيل أقوال أخر كثيرة ليست بظاهرة قال الامام أبو الحسن الواحدى رحمه الله اختلفوا فى سبب سؤاله فالاكثرون على أنه رأى جيفة بساحل البحر يتناولها السباع والطير ودواب البحر فتفكر كيف يجتمع ما تفرق من تلك الجيفة وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه ولم يكن شاكا فى إحياء الموتى ولكن أحب رؤية ذلك كما أن المؤمنين يحبون أن يروا النبى صلى الله عليه و سلم والجنة ويحبون رؤية الله تعالى مع الايمان بكل ذلك وزوال الشكوك عنه قال العلماء والهمزة فى قوله تعالى أولم تؤمن همزة اثبات كقول جرير ألستم خير من ركب المطايا والله اعلم وأما قول النبى صلى الله عليه و سلم ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى
(2/184)

فانه أشد الأركان واقواها وأمنعها ومعنى الحديث والله اعلم أن لوطا صلى الله عليه و سلم لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال فى ذلك الحال لو أن لى بكم قوة فى الدفع بنفسى أو آوى إلى عشيرة تمنع لمنعتكم وقصد لوط صلى الله عليه و سلم اظهار العذر عند أضيافه وانه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله وأنه بذل وسعه فى اكرامهم والمدافعة عنهم ولم يكن ذلك اعراضا منه صلى الله عليه و سلم عن الاعتماد على الله تعالى وانما كان لما ذكرناه من تطيب قلوب الاضياف ويجوز ان يكون نسى الالتجاء إلى الله تعالى فى حمايتهم ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( ولو لبثت فى السجن طول لبث يوسف لاجبت الداعى ) فهو ثناء على يوسف عليه السلام وبيان لصبره وتأنيه والمراد بالداعى رسول الملك الذى أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قال ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن فلم يخرج يوسف صلى الله عليه و سلم مبادرا إلى الراحة ومفارقة السجن الطويل بل تثبت وتوقر وراسل الملك فى كشف أمره الذى سجن بسببه ولتظهر براءته عند الملك وغيره ويلقاه مع اعتقاده براءته مما نسب إليه ولا خجل من يوسف ولا غيره فبين نبينا صلى الله عليه و سلم فضيلة يوسف فى هذا وقوة نفسه فىالخير وكمال صبره وحسن نظره وقال النبى صلى الله عليه و سلم عن نفسه ما قاله تواضعا وايثارا للابلاغ فى بيان كمال فضيلة يوسف صلى الله عليه و سلم والله اعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه مما تقدم بيانه المسيب والد سعيد وهو بفتح الياء على المشهور الذى قاله الجمهور ومنهم من يكسرها وهو قول أهل المدينة وفيه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف واسمه عبد الله على المشهور وقيل اسمه إسماعيل وقيل لا يعرف اسمه وفيه قول مسلم رحمه الله وحدثنى به ان شاء الله تعالى عبد الله بن اسماء هذا مما قد ينكره على مسلم من لا علم عنده ولا خبرة لديه لكون مسلم رحمه الله قال وحدثنى به ان شاء الله تعالى فيقول كيف يحتج بشيء يشك فيه وهذا خيال باطل من قائله فان مسلما رحمه الله لم يحتج بهذا الاسناد وانما ذكره متابعة واستشهادا وقد قدمنا أنهم يحتملون فى المتابعات والشواهد مالا يحتملون فى الأصول والله
(2/185)

تعالى أعلم وفيه أبو عبيد عن أبى هريرة واسم أبى عبيد هذا سعد بن عبيد المدنى مولى عبد الرحمن بن أزهر ويقال مولى عبد الرحمن بن عوف وفيه أبو أويس واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبى عامر الاصبحى المدنى ومن ألفاظ الباب قوله قرأ الآية حتى جازها وفى الرواية الأخرى أنجزها معنى جازها فرغ منها ومعنى أنجزها أتمها وفيه يوسف وفيه ست لغات ضم السين وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه والله أعلم