باب وجوب الايمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته
 

( باب وجوب الايمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ( إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته ) [ 152 ] فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( ما من نبى من الانبياء الا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وانما كان الذى أوتيته وحيا أوحى الله إلي فارجو أن أكون اكثرهم تابعا يوم القيامة ) [ 153 ] وفى الرواية الأخرى ( والذى نفس محمد بيده لا يسمع بى احد من هذه الأمة يهودى ولا نصرانى ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به الا كان من اصحاب النار ) وفيه حديث ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ) أما ألفاظ الباب فقوله صلى الله عليه و سلم ما مثله آمن عليه البشر )
(2/186)

آمن بالمد وفتح الميم ومثله مرفوع وفيه قول مسلم حدثنى يونس قال حدثنا بن وهب قال وأخبرنى عمرو أن أبا يونس حدثه فقوله وأخبرنى عمرو هو بالواو فى أول وأخبرنى وهى واو حسنة فيها دقيقة نفيسة وفائدة لطيفة وذلك أن يونس سمع من بن وهب أحاديث من جملتها هذا الحديث وليس هو أولها فقال بن وهب فى روايته الحديث الاول أخبرنى عمرو بكذا ثم قال وأخبرنى عمرو بكذا وأخبرنى عمرو بكذا إلى آخر تلك الأحاديث فاذا روى يونس عن بن وهب غير الحديث الأول فينبغى أن يقول قال بن وهب وأخبرنى عمرو فيأتى بالواو لانه سمعه هكذا ولو حذفها لجاز ولكن الأولى الاتيان بها ليكون راويا كما سمع والله أعلم وأما أبو يونس فاسمه سليم بن جبير [ 154 ] وفيه ( هشيم عن صالح بن صالح الهمدانى عن الشعبى قال رأيت رجلا من أهل خراسان سألى الشعبى فقال يا أبا عمرو ) أما هشيم فبضم الهاء وهو مدلس وقد قال عن صالح وقد قدمنا أن مثل هذا اذا كان الصحيح محمول على أن هشيما ثبت سماعه لهذا الحديث من صالح وأما صالح فهو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان ولقب حيان حى قاله أبو على الغسانى وغيره وأما الهمدانى فباسكان الميم وبالدال المهملة وأما الشعبى بفتح الشين فاسمه عامر وفى هذا الاسناد لطيفة يتكرر مثلها وقد تقدم بيانها وهو أنه قال عن صالح عن الشعبى قال رأيت رجلا سأل الشعبى وهذا الكلام ليس منتظما في الظاهر ولكن تقديره حدثنا صالح عن الشعبي قال رأيت رجلا سأل الشعبي بحديث وقصة طويلة قال فيها صالح رأيت رجلا سأل الشعبى والله أعلم وفيه أبو بردة
(2/187)

عن أبى موسى اسم ابى بردة عامر وقيل الحرث واسم أبى موسى عبد الله بن قيس وفيه قوله صلى الله عليه و سلم ( فغذاها فأحسن غذاءها ) أما الأول فبتخفيف الذال وأما الثانى فبالمد أما معانى الحديث فالحديث الأول اختلف فيه على أقوال احدها أن كل نبى أعطى من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله من الأنبياء فآمن به البشر وأما معجزتى العظيمة الظاهرة فهي القرآن الذى لم يعط أحد مثله فلهذا قال أنا أكثرهم تابعا والثانى معناه أن الذى أوتيته لا يتطرق إليه تخييل بسحر وشبهة بخلاف معجزة غيرى فانه قد يخيل الساحر بشيء مما يقارب صورتها كما خيلت السحرة فى صورة عصا موسى صلى الله عليه و سلم والخيال قد يروج على بعض العوام والفرق بين المعجزة والسحر والتخييل يحتاج إلى فكر ونظر وقد يخطىء الناظر فيعتقدهما سواء والثالث معناه ان معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ولم يشاهدها الا من حضرها بحضرتهم ومعجزة نبينا صلى الله عليه و سلم القرآن المستمر إلى يوم القيامة مع خرق العادة فى اسلوبه وبلاغته واخباره بالمغيبات وعجز الجن والانس عن أن يأتوا بسورة من مثله مجتمعين أومتفرقين فى جميع الأعصار مع اعتنائهم بمعارضته فلم يقدروا وهم أفصح القرون مع غير ذلك من وجوه اعجازه المعروفة والله اعلم وقوله صلى الله عليه و سلم فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا علم من أعلام النبوة فانه أخبر عليه السلام بهذا فى زمن قلة المسلمين ثم من الله تعالى وفتح على المسلمين البلاد وبارك فيهم حتى انتهى الامر واتسع الاسلام فى المسلمين إلى هذه الغاية المعروفة ولله الحمد على هذه النعمة وسائر نعمه التى لا تحصى والله أعلم وأما الحديث الثانى ففيه نسخ المللم كلها برسالة نبينا صلى الله عليه و سلم وفى مفهومه دلالة على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور وهذا جار على ما تقدم في الأصول أنه لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح والله أعلم وقوله صلى الله عليه و سلم لا يسمع بى أحد من هذه الامة أي من هو موجود فى زمنى وبعدى إلى يوم القيامة فكلهم يجب عليهم الدخول فى طاعته وانما ذكر اليهودى والنصرانى تنبيها على من سواهما وذلك لأن اليهود النصارى لهم كتاب فاذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابا فغيرهم ممن لا كتاب له أولى والله أعلم وأما الحديث الثالث ففيه فضيلة من آمن من أهل الكتاب
(2/188)

بنبينا صلى الله عليه و سلم وأن له أجرين لايمانه بنبيه قبل النسخ والثانى لا يمانه بنبينا صلى الله عليه و سلم وفيه فضيلة العبد المملوك القائم بحقوق الله تعالى وحقوق سيدة وفضيلة من أعتق مملوكته وتزوجها وليس هذا من الرجوع فى الصدقة فى شيء بل هو احسان اليها بعد احسان وقول الشعبى ( خذ هذا الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة ) ففيه جواز قول العالم مثل هذا تحريضا للسامع على حفظ ما قاله وفيه بيان ما كان السلف رحمهم الله عليه من الرحلة إلى البلدان البعيدة فى حديث واحد أو مسألة واحدة والله أعلم