( باب اثبات الشفاعة واخراج الموحدين من النار )
 
قال القاضي عياض رحمه الله مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعا بصريح قوله تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وقوله ولا يشفعون الا لمن ارتضى وأمثالهما وبخبر الصادق صلى الله عليه و سلم وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار واحتجوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وبقوله تعالى ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وهذه الآيات في الكفار وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم واخراج من استوجب النار لكن الشفاعة خمسة أقسام أولها مختصة بنبينا صلى الله عليه سلم وهي الاراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب كما سيأتي بيانها الثانية في ادخال قوم الجنة بغير حساب وهذه وردت أيضا لنبينا صلى الله عليه و سلم وقد ذكرها مسلم رحمه الله الثالثة الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه و سلم ومن شاء الله تعالى وسننبه على موضعها قريبا ان شاء الله تعالى الرابعة فيمن دخل النار
(3/35)

من المذنبين فقد جاءت هذه الاحاديث باخراجهم من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه و سلم والملائكة واخوانهم من المؤمنين ثم يخرج الله تعالى كل من قال لا اله الا الله كما جاء في الحديث لا يبقى فيها الا الكافرون الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لاهلها وهذه لا ينكرها المعتزلة ولا ينكرون أيضا شفاعة الحشر الاول قال القاضي عياض وقد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح رضى الله عنهم شفاعة نبينا صلى الله عليه و سلم ورغبتهم فيها وعلى هذا لا يلتفت إلى قول من قال انه يكره أن يسأل الانسان الله تعالى أن يرزقه شفاعة محمد صلى الله عليه و سلم لكونها لا تكون الا للمذنبين فانها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق من أن يكون من الهالكين ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة لأنها لاصحاب الذنوب وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف هذا آخر كلام القاضي رحمه الله والله أعلم [ 184 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة ) أما الحمم فتقدم بيانه في الباب السابق وهو بضم الحاء وفتح الميم المخففة وهو الفحم وقد تقدم فيه بيان الحبة والنهر وبيان امتحشوا وأنه بفتح التاء على المختار وقيل بضمها ومعناه احترقوا وقوله الحياة أو الحيا هكذا وقع هنا وفي البخارى من رواية مالك وقد صرح البخارى في أول صحيحه بأن هذا الشك من مالك وروايات غيره الحياة بالتاء من غير شك ثم ان الحيا هنا مقصور
(3/36)

وهو المطر سمى حيا لانه تحيا به الارض ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الارض والله أعلم قوله ( كما تنبت الغثاء ) هو بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة المخففة وبالمد وآخره هاء وهو كل ما جاء به السيل وقيل المراد ما احتمله السيل من البذور وجاء في غير مسلم كما تنبت الحبة في غثاء السيل بحذف الهاء من آخره وهو ما احتمله السيل من الزبد والعيدان ونحوهما من الاقذاء والله أعلم قوله ( وفي حديث وهيب كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل ) أما الاول فهو حمئة بفتح الحاء وكسر الميم وبعدها همزة وهي الطين الاسود الذى يكون في أطراف النهر وأما الثاني فهو حميلة وهي واحدة الحميل المذكور في الروايات الأخر بمعنى المحمول وهو الغثاء الذى يحتمله السيل والله أعلم [ 185 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم اماتة حتى اذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ) هكذا وقع في معظم النسخ أهل النار وفي بعضها أما أهل النار بزيادة أما وهذا أوضح والأول صحيح وتكون الفاء في فإنهم زائدة وهو جائز وقوله ( فأماتهم ) أى أماتهم اماتة وحذف للعلم به وفي بعض النسخ فأماتتهم
(3/37)

بتاءين أى أماتتهم النار وأما معنى الحديث فالظاهر والله أعلم من معنى هذا الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها كما قال الله تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وكما قال تعالى ثم لا يموت فيها ولا يحيى وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ولكن ناس أصابتهم النار إلى آخره فمعناه أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى اماتة بعد أن يعذبوا المدة التى أرادها الله تعالى وهذه الاماتة اماتة حقيقية يذهب معها الاحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم ثم يميتهم ثم يكونون محبوسين في النار من غير احساس المدة التى قدرها الله تعالى ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون إلى منازلهم وتكمل أحوالهم فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه وحكى القاضي عياض رحمه الله فيه وجهين أحدهما أنها اماتة حقيقية والثاني ليس بموت حقيقي ولكن تغيب عنهم احساسهم بالآلام قال ويجوز أن تكون آلامهم أخف فهذا كلام القاضي والمختار ما قدمناه والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ضبائر ضبائر فكذا هو في الروايات والأصول ضبائر ضبائر مكرر مرتين وهو منصوب على الحال وهو بفتح الضاد المعجمة وهو جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها لغتان حكاهما القاضي عياض وصاحب المطالع وغيرهما أشهرهما الكسر ولم يذكر الهروى وغيره الا الكسر ويقال فيها أيضا اضبارة بكسر الهمزة قال أهل اللغة الضبائر جماعات في تفرقة وروى ضبارات ضبارات وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( فبثوا ) فهو بالباء الموحدة المضمومة بعدها ثاء مثلثة ومعناه فرقوا والله أعلم قوله ( عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة عن أبى سعيد الخدرى ) أما أبو سعيد فاسمعه سعد بن مالك بن
(3/38)

سنان وأما أبو نضرة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وأما أبو مسلمة فبفتح الميم واسكان السين واسمه سعيد بن يزيد الازدى البصرى والله أعلم [ 186 ] قوله ( حدثنا عثمان بن أبي شيبة واسحاق بن ابراهيم الحنظلى كليهما ) هكذا وقع في معظم الأصول كليهما بالياء ووقع في بعضها كلاهما بالألف مصلحا وقد قدمت في الفصول التى في أول الكتاب بيان جوازه بالياء قوله ( عن عبيدة ) هو بفتح العين وهو عبيدة السلماني قوله صلى الله عليه و سلم ( رجل يخرج من النار حبوا ) وفي الرواية الاخرى زحفا قال أهل اللغة الحبو المشى على اليدين والرجلين وربما قالوا على اليدين والركبتين وربما قالوا على يديه ومقعدته وأما الزحف فقال بن دريد وغيره هو المشى على الاست مع افراشه بصدره فحصل من هذا أن الحبو والزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو والله أعلم قوله ( أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك ) هذا شك من الراوى هل قال أتسخر بي أو قال أتضحك بي فان كان الواقع
(3/39)

في نفس الأمر أتضحك بي فمعناه أتسخر بي لان الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به فوضع الضحك موضع السخرية مجازا وأما معنى أتسخر بي هنا ففيه أقوال أحدها قاله المازرى أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه لانه عاهد الله مرارا ألا يسأله غير ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية فقدر الرجل أن قول الله تعالى له ادخل الجنة وتردده اليها وتخييل كونها مملوءة ضرب من الاطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال أتسخر بي أي تعاقبني بالأطماع والقول الثاني قاله أبو بكر الصوفي ان معناه نفي السخرية التى لا تجوز على الله تعالى كأنه قال أعلم أنك لا تهزأ بي لانك رب العالمين وما أعطيتنى من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ولكن العجب أنك أعطيتنى هذا وأنا غير أهل له قال والهمزة في أتسخر بي همزة نفي قال وهذا كلام منبسط متدلل والقول الثالث قاله القاضي عياض أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ مالم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق وهذا كما قال النبى صلى الله عليه و سلم في الرجل الآخر أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال أنت عبدى وأنا ربك والله أعلم واعلم أنه وقع في الروايات أتسخر بي وهو صحيح يقال سخرت منه وسخرت به والاول هو الأفصح الأشهر وبه جاء القرآن والثاني فصيح أيضا وقد قال بعض العلماء أنه انما جاء بالباء لارادة معناه كأنه قال أتهزأ بي والله أعلم قوله ( رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحك حتى بدت نواجذه ) هو بالجيم والذال المعجمة قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم المراد بالنواجذ هنا الانياب وقيل المراد هنا الضواحك وقيل المراد بها الاضراس وهذا هو الاشهر في اطلاق النواجذ في اللغة ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة اذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل
(3/40)

تلك الحال والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( فيقول الله تعالى له اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ) وفي الرواية الاخرى ( لك الذى تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا ) هاتان الروايتان بمعنى واحد واحداهما تفسير الاخرى فالمراد بالاضعاف الامثال فان المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل وأما قوله صلى الله عليه و سلم في الاخرى في الكتاب ( فيقول الله تعالى أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ) وفي الرواية الاخرى ( أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ) فهاتان الروايتان لا تخالفان الأوليين فان المراد بالاولى من هاتين أن يقال له أولا لك الدنيا ومثلها ثم يزاد إلى تمام عشرة أمثالها كما بينه في الرواية الاخيرة وأما الاخيرة فالمراد بها أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهى ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضا منها ثم منهم من يكثر البعض الذى يملكه ومنهم من يقل بعضه فيعطى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات وذلك كله
(3/41)

قدر الدنيا كلها ثم يقال له لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى هذه الرواية إلى موافقة الروايات المتقدمة ولله الحمد وهو أعلم [ 187 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة ) أما يكبو فمعناه يسقط على وجهه وأما تسفعه فهو بفتح التاء واسكان السين المهملة وفتح الفاء ومعناه تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا قوله صلى الله عليه و سلم ( لانه يرى مالا صبر له عليه ) كذا هو في الاصول في المرتين الاولتين وأما الثالثة فوقع في أكثر الاصول مالا صبر له عليها وفي بعضها عليه وكلاهما صحيح ومعنى عليها أى نعمة لا صبر له عليها أى عنها قوله عز و جل يا بن آدم مايصرينى منك هو بفتح الياء واسكان الصاد المهملة ومعناه يقطع مسئلتك منى قال أهل اللغة الصرى بفتح الصاد واسكان الراء هو القطع وروى في غير مسلم ما يصريك منى قال ابراهيم الحربي هو الصواب وأنكر الرواية التى في صحيح مسلم وغيره ما يصرينى منك وليس هو كما قال بل كلاهما صحيح فان السائل متى انقطع من المسؤل انقطع
(3/42)

المسؤل منه والمعنى أى شئ يرضيك ويقطع السؤال بينى وبينك والله أعلم قوله ( قالوا مم تضحك يارسول الله قال من ضحك رب العالمين ) قد قدمنا معنى الضحك من الله تعالى وهو الرضى والرحمة وارادة الخير لمن يشاء رحمته من عباده والله أعلم [ 188 ] قوله ( عن النعمان بن أبي عياش ) هو بالشين المعجمة وهو أبو عياش الزرقى الأنصاري الصحابي المعروف في اسمه خلاف مشهور قيل زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل عبيد وقيل عبد الرحمن قوله صلى الله عليه و سلم
(3/43)

( فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان الحمد لله الذى أحياك لنا وأحيانا لك ) هكذا ثبت في الروايات والاصول زوجتاه بالتاء تثنية زوجة بالهاء وهي لغة صحيحة معروفة وفيها أبيات كثيرة من شعر العرب وذكرها بن السكيت وجماعات من أهل اللغة وقوله صلى الله عليه و سلم ( فتقولان ) هو بالتاء المثناه من فوق وانما ضبطت هذا وان كان ظاهرا لكونه مما يغلط فيه بعض من لا يميز فيقوله بالمثناه من تحت وذلك لحن لا شك فيه قال الله تعالى اذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وقال تعالى و وجد من دونهم امرأتين تذودان وقال الله تعالى ان الله يمسك السماوات والارض أن تزولا وقال تعالى فيهما عينان تجريان وأما قولهما الحمد لله الذى أحياك لنا وأحيانا لك فمعناه الذى خلقك لنا وخلقنا لك وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة السرور والله أعلم [ 189 ] قوله ( حدثنا سعيد بن عمرو الاشعثى ) هو بالثاء المثلثة بعد العين المهملة منسوب إلى جده الاشعث وقد تقدم بيانه قوله ( عن بن أبجر ) هو بفتح الهمزة واسكان الباء الموحدة وفتح الجيم واسمه عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر وهو تابعى سمع أبا الطفيل عامر بن واثلة وقد سماه مسلم في الطريق الثاني فقال عبد الملك بن سعيد قوله ( عن مطرف وبن أبجر عن الشعبى قال سمعت المغيرة بن شعبة رواية ان شاء الله تعالى ) وفي الرواية
(3/44)

الاخرى ( سمعته على المنبر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ) وفي الرواية الاخرى ( عن سفيان عن مطرف وبن أبجر عن الشعبى عن المغيرة قال سفيان رفعه أحدهما أراه بن أبجر قال سأل موسى صلى الله عليه و سلم ربه سبحانه وتعالى ما أدنى أهل الجنة منزلة ) اعلم أنه قد تقدم في الفصول التى في أول الكتاب أن قولهم رواية أو يرفعه أو ينميه أو يبلغ به كلها ألفاظ موضوعة عند أهل العلم لاضافة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لا خلاف في ذلك بين أهل العلم فقوله رواية معناه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد بينه هنا في الرواية الثانية وأما قوله رواية ان شاء الله فلا يضره هذا الشك والاستثناء لانه جزم به في الروايات الباقية وأما قوله في الرواية الاخيرة رفعه أحدهما فمعناه أن أحدهما رفعه وأضافه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم والآخر وقفه على المغيرة فقال عن المغيرة قال سأل موسى صلى الله عليه و سلم والضمير في أحدهما يعود على مطرف وبن أبجر شيخى سفيان فقال أحدهما عن الشعبى عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سأل موسى صلى الله عليه و سلم وقال الآخر عن الشعبي عن المغيرة قال سأل موسى ثم انه يحصل من هذا أن الحديث روى مرفوعا وموقوفا وقد قدمنا في الفصول المتقدمة في أول الكتاب أن المذهب الصحيح المختار الذى عليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين أن الحديث اذا روى متصلا وروى مرسلا وروى مرفوعا وروى موقوفا فالحكم للموصول والمرفوع لانها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير من أصحاب فنون العلوم فلا يقدح اختلافهم ها هنا في رفع الحديث ووقفه لاسيما وقد رواه الاكثرون مرفوعا والله أعلم وأما قول موسى صلى الله عليه و سلم ( ما أدنى أهل الجنة ) كذا هو في الأصول ما أدنى
(3/45)

وهو صحيح ومعناه ما صفة أو ما علامة أدنى أهل الجنة وقد تقدم أن المغيرة يقال بضم الميم وكسرها لغتان والضم أشهر والله أعلم قوله ( كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ) هو بفتح الهمزة والخاء قال القاضي هو ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه أو يكون معناه قصدوا منازلهم قال وذكره ثعلب بكسر الهمزة قوله صلى الله عليه و سلم ( فاعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر قال ومصداقه في كتاب الله تعالى ) أما أردت فبضم التاء ومعناه اخترت واصطفيت وأما غرست كرامتهم بيدي إلى آخره فمعناه اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير وفي آخر الكلام حذف اختصر للعلم به تقديره ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم وقوله ومصداقه هو بكسر الميم ومعناه دليله وما يصدقه والله أعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( ان موسى صلى الله عليه و سلم سأل الله تعالى عن أخس أهل الجنة ) هكذا ضبطناه بالخاء المعجمة وبعدها
(3/46)

السين المشددة وهكذا رواه جميع الرواة ومعناه أدناهم كما تقدم في الرواية الاخرى [ 190 ] قوله ( عن المعرور بن سويد ) هو بالعين المهملة والراء المكررة [ 191 ]