اثبات الشفاعة واخراج الموحدين من النار 3
 
قوله صلى الله عليه و سلم ( وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتى الصراط )
(3/71)

أما تقومان فبالتاء المثناة من فوق وقد قدمنا بيان ذلك وأن المؤنثتين الغائبتين تكونان بالمثناة من فوق وأما جنبتا الصراط فبفتح الجيم والنون ومعناهما جانباه وأما ارسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما وكبر موقعهما فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى قال صاحب التحرير في الكلام اختصار والسامع فهم أنهما تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما قوله صلى الله عليه و سلم ( فيمر أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجرى بهم أعمالهم ) أما شد الرجال فهو بالجيم جمع رجل هذا هو الصحيح المعروف المشهور ونقل القاضي أنه في رواية بن ماهان بالحاء قال القاضي وهما متقاربان في المعنى وشدها عدوها البالغ وجريها وأما قوله صلى الله عليه و سلم تجري بهم أعمالهم فهو كالتفسير لقوله صلى الله عليه و سلم فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح إلى آخره معناه أنهم يكونون في سرعة المرور على حسب مراتبهم وأعمالهم قوله صلى الله عليه و سلم ( وفي حافتي الصراط ) هو بتخفيف الفاء وهما جانباه وأما الكلاليب فتقدم بيانها قوله صلى الله عليه و سلم ( فمخدوش ناج ومكدوس ) هو بالدال وقد تقدم بيانه في هذا الباب ووقع في أكثر الأصول هنا مكردس بالراء ثم الدال وهو قريب من معنى المكدوس قوله ( والذي نفس أبي هريرة بيده أن قعر جهنم لسبعون خريفا ) هكذا هو في بعض الأصول لسبعون بالواو وهذا ظاهر وفيه حذف تقديره أن مسافة قعر جهنم سير سبعين سنة ووقع في معظم الاصول والروايات لسبعين بالياء وهو صحيح أيضا أما على مذهب من يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره فيكون التقدير سير سبعين واما على أن قعر جهنم مصدر
(3/72)

يقال قعرت الشئ إذا بلغت قعره ويكون سبعين ظرف زمان وفيه خبران التقدير أن بلوغ قعر جهنم لكائن في سبعين خريفا والخريف السنة والله اعلم قوله صلى الله عليه و سلم ( لكل نبى دعوة يدعوها فاريد أن اختبئ دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة ) وفى الرواية الأخرى
(3/73)

( لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانى اختبأت دعوتى شفاعة لامتى يوم القيامة فهي نائلة أن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا ) وفى الرواية الاخرى
(3/74)

( لكل نبى دعوة دعا بها فى أمته فاستجيب له وانى أريد أن شاء الله أن أؤخر دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة ) وفى الرواية الاخرى ( لكل نبى دعوة دعاها لأمته وانى اختبأت دعوتى شفاعة لأمتى يوم القيامة ) هذه الاحاديث تفسر بعضها بعضا ومعناها أن كل نبى له دعوة متيقنة الاجابة وهو على يقين من اجابتها وأما باقى دعواتهم فهم على طمع من اجابتها وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب وذكر القاضي عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبى دعوة لأمته كما فى الروايتين الأخيرتين والله أعلم وفى هذا الحديث بيان كمال شفقة النبى صلى الله عليه و سلم على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر فى مصالحهم المهمة فأخر النبى صلى الله عليه و سلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم وأما قوله صلى الله عليه و سلم فهي نائلة أن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا ففيه دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد فى النار وان كان مصرا على الكبائر وقد تقدمت دلائله وبيانه فى مواضع كثيرة وقوله صلى الله عليه و سلم أن شاء الله تعالى هو على جهة
(3/75)

التبرك والامتثال لقول الله تعالى ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله والله أعلم قوله ( أسيد بن جارية ) هو بفتح الهمزة وكسر السين وجارية بالجيم قوله ( كعب الأحبار ) هو كعب بن ماتع بالميم والمثناة من فوق بعدها عين والاحبار العلماء واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها الغتان أى كعب العلماء كذا قاله بن قتيبة وغيره وقال أبو عبيد سمى كعب الاحبار لكونه صاحب كتب الاحبار جمع حبر وهو ما يكتب به وهو مكسور الحاء وكان كعب من علماء أهل الكتاب ثم أسلم في خلافة أبي بكر وقيل بل في خلافة عمر رضى الله عنهما توفي بحمص في سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وهو من فضلاء التابعين وقد روى عنه جماعة من الصحابة رضى الله عنهم قوله ( وحدثنى أبو غسان المسمعى ومحمد بن المثنى وبن بشار حدثانا واللفظ لابي غسان قالوا حدثنا معاذ يعنون بن هشام ) هذا اللفظ قد يستدركه من لا معرفة له بتحقيق مسلم واتقانه وكمال ورعه وحذقه وعرفانه فيتوهم أن في الكلام طولا فيقول كان ينبغي أن يحذف قوله حدثانا وهذه غفلة ممن يصير اليها بل في كلام مسلم فائدة لطيفة فانه سمع هذا الحديث من لفظ أبي غسان ولم يكن مع مسلم غيره وسمعه من محمد بن مثنى وبن بشار وكان معه غيره وقد قدمنا في الفصول أن المستحب والمختار عند أهل الحديث أن من سمع وحده قال حدثنى ومن سمع مع غيره قال حدثنا فاحتاط مسلم وعمل بهذا المستحب فقال حدثنى أبو غسان أي سمعت منه وحدى ثم ابتدأ فقال ومحمد بن مثنى وبن بشار حدثانا أى سمعت منهما مع غيرى فمحمد بن المثنى مبتدأ وحدثانا الخبر وليس هو معطوفا على أبي غسان والله أعلم وقوله ( قالوا حدثنا معاذ ) يعنى بقالوا محمد بن المثنى وبن بشار وأبا غسان والله أعلم وقوله ( عن قتادة قال حدثنا أنس أن نبى الله صلى الله عليه و سلم قال لكل نبى دعوة ) ثم ذكر مسلم طريقا آخر عن وكيع وأبي أسامة عن مسعر عن قتادة ثم قال غير أن في حديث
(3/76)

وكيع قال قال أعطى وحديث أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه و سلم هذا من احتياط مسلم رضى الله عنه ومعناه أن رواياتهم اختلفت في كيفية لفظ أنس ففي الرواية الاولى عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لكل نبي دعوة وفي رواية وكيع عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه و سلم أعطى كل نبي دعوة وفي رواية أبي أسامة عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لكل نبي دعوة والله أعلم قوله ( وحدثنى محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس ) هذا الاسناد كله بصريون والله أعلم