( باب دعاء النبي صلى الله عليه و سلم لأمته وبكائه شفقة عليهم )
 
قوله ( حدثنى يونس بن عبد الاعلى الصدفي حدثنا بن وهيب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاصي ) هذا الاسناد كله بصريون وقدمنا أن في يونس ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمز فيهن وتركه وأما الصدفي فبفتح الصاد والدال المهملتين وبالفاء منسوب إلى الصدف بفتح الصاد وكسر الدال قبيلة معروفة قال أبو سعيد بن يونس دعوتهم في الصدف وليس من
(3/77)

أنفسهم ولا من مواليهم توفي يونس بن عبد الأعلى هذا في شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومائة ففي هذا الاسناد رواية مسلم عن شيخ عاش بعده فان مسلما توفي سنة احدى وستين ومائتين كما تقدم وأما بكر بن سوادة فبفتح السين وتخفيف الواو والله أعلم قوله ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه و سلم ) تلا قول الله تعالى في ابراهيم صلى الله عليه و سلم رب انهن أضللن كثيرا من الناس الآية وقال عيسى صلى الله عليه و سلم إن تعذبهم فانهم عبادك ) هكذا هو في الأصول وقال عيسى قال القاضي عياض قال بعضهم قوله قال هو اسم للقول لا فعل يقال قال قولا وقالا وقيلا كأنه قال وتلا قول عيسى هذا كلام القاضي عياض قوله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ( رفع يديه وقال اللهم أمتى أمتى وبكى فقال الله عز و جل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره النبى صلى الله عليه و سلم بما قال وهو أعلم فقال الله تعالى يا جبريل اذهب إلى محمد فقل انا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ) هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه و سلم على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم ومنها استحباب رفع اليدين في الدعاء ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله سنرضيك في أمتك ولا نسوءك وهذا من أرجى
(3/78)

الأحاديث لهذه الامة أو أرجاها ومنها بيان عظم منزلة النبي صلى الله عليه و سلم عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به صلى الله عليه و سلم والحكمة في ارسال جبريل لسؤاله صلى الله عليه و سلم اظهار شرف النبي صلى الله عليه و سلم وأنه بالمحل الأعلى فيسترضي ويكرم بما يرضيه والله أعلم وهذا الحديث موافق لقول الله عز و جل ولسوف يعطيك ربك فترضى وأما قوله تعالى ولا نسوءك فقال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أى لا نحزنك لان الارضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع والله أعلم