( باب وجوب الطهارة للصلاة )
 
في اسناده ( أبو كامل الجحدري ) بفتح الجيم واسكان الحاء المهملة وفتح الدال واسمه الفضيل بن حسين منسوب إلى جد له اسمه جحدر وتقدم بيانه مرات وفيه ( أبو عوانة ) واسمه الوضاح بن عبد الله قوله صلى الله عليه و سلم ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول ) هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الامة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة قال القاضي عياض واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب بن الجهم إلى أن الوضوء في أول الاسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم قال الجمهور بل كان قبل ذلك فرضا قال واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة
(3/102)

فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ وقيل الأمر به لكل صلاة على الندب وقيل بل لم يشرع الا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم فيه خلاف ومعنى الآية عندهم إذا كنتم محدثين هذا كلام القاضي رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه أحدها أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا والثاني لا يجب الا عند القيام إلى الصلاة والثالث يجب بالأمرين وهو الراجح عند أصحابنا وأجمعت الامة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة الا ما حكى عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبرى من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل وأجمع العلماء على خلافه ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير وحكى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه ودليلنا أن الكفر للاعتقاد وهذا المصلى اعتقاده صحيح وهذا كله إذا لم يكن للمصلى محدثا عذر أما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ترابا ففيه أربعة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى وهي مذاهب للعلماء قال بكل واحد منها قائلون أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن يصلي على حاله ويجب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة والثاني يحرم عليه أن يصلي ويحب القضاء والثالث يستحب أن يصلي ويجب القضاء والرابع يجب أن يصلي ولا يجب القضاء وهذا القول اختيار المزني وهو أقوى الاقوال دليلا فاما وجوب الصلاة فلقوله صلى الله عليه و سلم واذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم وأما الاعادة فانما تجب بامر مجدد والاصل عدمه وكذا يقول المزني كل صلاة أمر بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الثاني لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فمعناه حتى يتطهر بماء أو تراب وانما اقتصر صلى الله عليه و سلم على الوضوء لكونه الاصل والغالب والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ولا صدقة من غلول فهو بضم الغين والغلول الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة وأما قول بن عامر ادع لى فقال بن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة فمعناه أنك لست بسالم من الغلول فقد كنت واليا على
(3/103)

البصرة وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة والصدقة الا من متصون والظاهر والله أعلم أن بن عمر قصد زجر بن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الاقلاع عن المخالفات ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع فلم يزل النبي صلى الله عليه و سلم والسلف والخلف يدعو للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة والله أعلم قوله ( حدثنا محمد بن مثنى وبن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة قال أبو بكر ووكيع حدثنا عن اسرائيل كلهم عن سماك بن حرب ) أما قوله كلهم فيعنى به شعبة وزائدة واسرائيل فأما قوله قال أبو بكر ووكيع حدثنا فمعناه أن أبا بكر بن أبي شيبة رواه عن حسين بن علي عن زائدة ورواه أبو بكر أيضا عن وكيع عن اسرائيل فقال أبو بكر ووكيع حدثنا وهو بمعنى قوله حدثنا وكيع وسقط في بعض الأصول لفظة حدثنا وبقي قوله أبو بكر ووكيع عن اسرائيل وهو صحيح أيضا ويكون معطوفا على قول أبي بكر أولا حدثنا حسين أى وحدثنا وكيع عن اسرائيل ووقع في بعض الاصول هكذا قال أبو بكر وحدثنا وكيع وكله صحيح والله أعلم
(3/104)



الموضوع السابق


باب فضل الوضوء