( باب الايتار في الاستنثار والاستجمار )
 
فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا واذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر ) أما الاستجمار فهو مسح محل البول والغائط بالجمار وهي الاحجار الصغار قال العلماء يقال الاستطابة والاستجمار والاستنجاء لتطهير محل البول والغائط فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالاحجار وأما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء ويكونان بالاحجار هذا الذي ذكرناه من معنى الاستجمار هو الصحيح المشهور الذي قاله الجماهير من طوائف العلماء من اللغويين والمحدثين والفقهاء وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى اختلف قول مالك وغيره في معنى الاستجمار المذكور في هذا الحديث فقيل هذا وقيل المراد به في البخور أن يأخذ منه ثلاث قطع أو يأخذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخري قال والاول أظهر والله أعلم والصحيح المعروف ما قدمناه والمراد بالايتار أن يكون عدد المسحات ثلاثا أو خمسا أو فوق
(3/125)

ذلك من الأوتار ومذهبنا أن الايتار فيما زاد على الثلاث مستحب وحاصل المذهب أن الانقاء واجب واستيفاء ثلاث مسحات واجب فان حصل الانقاء بثلاث فلا زيادة وان لم يحصل وجب الزيادة ثم أن حصل بوتر فلا زيادة وان حصل بشفع كأربع أو ست استحب الايتار وقال بعض أصحابنا يجب الايتار مطلقا لظاهر هذا الحديث وحجة الجمهور الحديث الصحيح في السنن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ويحملون حديث الباب على الثلاث وعلى الندب فيما زاد والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر ففيه دلالة ظاهرة على أن الاستنثار غير الاستنشاق وأن الانتثار هو اخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في الانف من مخاط وشبهه وقد تقدم ذكر هذا وفيه دلالة لمذهب من يقول الاستنشاق واجب لمطلق الامر ومن لم يوجبه حمل الأمر على الندب بدليل أن المأمور به حقيقة وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق فان قالوا ففي الرواية الاخرى إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينثر فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب ولكن حمله على الندب محتمل ليجمع بينه وبين الادلة الدالة على الاستحباب والله أعلم قوله في حديث همام ( فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ) قد قدمنا مرات بيان الفائدة في هذه العبارة وانما ننبه على تقدمها ليتعاهد قوله ( بمنخريه ) هما بفتح الميم وكسر الخاء وبكسرهما جميعا لغتان معروفتان قوله صلى الله عليه و سلم
(3/126)

( فليستنثر فان الشيطان يبيت على خياشيمه ) قال العلماء الخيشوم أعلى الانف وقيل هو الانف كله وقيل هي عظام رقاق لينة في أقصى الانف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك وهو اختلاف متقارب المعنى قال القاضي عياض رحمه الله تعالى يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه و سلم فان الشيطان يبيت على خياشيمه على حقيقتة فان الانف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها لا سيما وليس من منافذ الجسم ماليس عليه غلق سواه وسوى الاذنين وفي الحديث أن الشيطان لا يفتح غلقا وجاء في التثاؤب الامر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذ في الفم قال ويحتمل أن يكون على الاستعارة فان ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان والله أعلم