( باب النهي عن البول في الماء الراكد )
 
فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه ) وفي الرواية الأخرى ( لا يبل في الماء الدائم الذي لايجرى ثم يغتسل منه ) وفي الرواية الأخرى ( نهى أن يبال في الماء الراكد ) الرواية يغتسل مرفوع أى لا تبل ثم أنت تغتسل منه وذكر شيخنا أبو عبد الله بن مالك رضي الله عنه أنه يجوز أيضا جزمه عطفا على موضع يبولن ونصبه باضمار أن واعطاء ثم حكم واو الجمع فأما الجزم فظاهر وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بيهما دون افراد أحدهنا وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهى عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا والله أعلم وأما الدائم فهو الراكد وقوله صلى الله عليه و سلم الذي لا يجرى تفسير للدائم وايضاح لمعناه ويحتمل أنه احترز به عن راكد لا يجرى بعضه كالبرك ونحوها وهذا النهى في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة ويؤخذ ذلك من حكم المسألة فان كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه وان كان قليلا جاريا فقد قال جماعة من أصحابنا يكره والمختار أنه يحرم لانه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعى وغيره ويغر غيره فيستعمله مع أنه نجس وان كان الماء كثيرا راكدا فقال أصحابنا يكره ولا يحرم ولو قيل يحرم
(3/187)

لم يكن بعيدا فان النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحقيقين والاكثرين من أهل الاصول وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالاجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه والصواب المختار أنه يحرم البول فيه لانه ينجسه ويتلف ماليته ويغر غيره باستعماله والله أعلم قال أصحابنا وغيرهم من العلماء والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح وكذلك إذا بال في اناء ثم صبه في الماء وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يجرى إليه البول فكله مذموم قبيح منهى عنه على التفصيل المذكور ولم يخالف في هذا أحد من العلماء الا ما حكي عن داود بن على الظاهري أن النهى مختص ببول الانسان بنفسه وأن الغائط ليس كالبول وكذا إذا بال في اناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء وهذا الذي ذهب إليه خلاف اجماع العلماء وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر والله أعلم قال العلماء ويكره البول والتغوط بقرب الماء وان لم يصل إليه لعموم نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن البراز في الموارد ولما فيه من ايذاء المارين بالماء ولما يخاف من وصوله إلى الماء والله أعلم وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه فان كان قليلا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء وان كان كثيرا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه فان كان جاريا فلا بأس به وان كان راكدا فليس بحرام ولا تظهر كراهته لانه ليس في معنى البول ولا يقاربه ولو اجتنب الانسان هذا كان أحسن والله أعلم