( باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله )
 
فيه ( عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه و سلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبى فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله ) وفى الرواية الأخرى ( أتى النبى صلى الله عليه و سلم بصبى يرضع فبال فى حجره فدعا بماء فصبه عليه ) وفى رواية أم قيس
(3/193)

( أنها أتت النبى صلى الله عليه و سلم بابن لها لم يأكل الطعام فوضعته فى حجره فبال فلم يزد على أن نضح بالماء ) وفى رواية ( فدعا بماء فرشه ) وفى رواية ( فنضحه عليه ولم يغسله غسلا ) الصبيان بكسر الصاد هذه اللغة المشهورة وحكى بن دريد ضمها قوله فيبرك عليهم أى يدعو لهم ويمسح عليهم وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته وقولها فيحنكهم قال أهل اللغة التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير وفيه لغتان مشهورتان حنكته وحنكته بالتخفيف والتشديد والرواية هنا فيحنكهم بالتشديد وهى أشهر اللغتين وقولها فبال فى حجره يقال بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وقولها بصبى يرضع هو بفتح الياء أى رضيع وهو الذى لم يفطم أما أحكام الباب ففيه استحباب تحنيك المولود وفيه التبرك بأهل الصلاح والفضل وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم وسواء
(3/194)

فى هذا الاستحباب المولود فى حال ولادته وبعدها وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالصغار وغيرهم وفيه مقصود الباب وهو أن بول الصبى يكفى فيه النضح وقد اختلف العلماء فى كيفية طهارة بول الصبى والجارية على ثلاثة مذاهب وهى ثلاثة أوجه لاصحابنا الصحيح المشهور المختار أنه يكفى النضح فى بول الصبى ولا يكفى فى بول الجارية بل لابد من غسله كسائر النجاسات والثانى أنه يكفى النضح فيهما والثالث لا يكفى النضح فيهما وهذان الوجهان حكاهما صاحب التتمة من أصحابنا وغيره وهما شاذان ضعيفان وممن قال بالفرق علي بن أبى طالب وعطاء بن أبى رباح والحسن البصرى واحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وجماعة من السلف وأصحاب الحديث وبن وهب من أصحاب مالك رضى الله عنهم وروى عن أبى حنيفة وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك فى المشهور عنهما وأهل الكوفة واعلم أن هذا الخلاف انما هو فى كيفية تطهير الشئ الذى بال عليه الصبى ولا خلاف فى نجاسته وقد نقل بعض أصحابنا اجماع العلماء على نجاسة بول الصبى وأنه لم يخالف فيه الا داود الظاهرى قال الخطابى وغيره وليس تجويز من جوز النضح فى الصبى من أجل أن بوله ليس بنجس ولكنه من أجل التخفيف فى ازالته فهذا هو الصواب وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض عن الشافعى وغيره أنهم قالوا بول الصبى طاهر فينضح فحكاية باطلة قطعا وأما حقيقة النضح هنا فقد اختلف أصحابنا فيها فذهب الشيخ أبو محمد الجوينى والقاضى حسين والبغوى إلى أن معناه أن الشئ الذى أصابه البول يغمر بالماء كسائر النجاسات بحيث لو عصر لا يعصر قالوا وأنما يخالف هذا غيره فى أن غيره يشترط عصره على أحد الوجهين وهذا لا يشترط بالاتفاق وذهب امام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره بخلاف المكاثرة فى غيره فانه يشترط فيها أن يكون بحيث يجرى بعض الماء ويتقاطر من المحل وان لم يشترط عصره وهذا هو الصحيح المختار ويدل عليه قولها فنضحه ولم يغسله وقوله فرشه أى نضحه والله أعلم ثم أن النضح انما يجزى ما دام الصبى يقتصر به على الرضاع أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فانه يجب الغسل بلا خلاف والله أعلم
(3/195)