( باب حكم المنى )
 
فيه ( أن رجلا نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة انما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل مكانه فان لم تر نضحت حوله لقد رأيتنى افركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم فركا فيصلى فيه ) وفى الرواية الأخرى ( كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم ) وفى الرواية
(3/196)

الأخرى ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يغسل المنى ثم يخرج إلى الصلاة فى ذلك الثوب ) وفى الرواية الأخرى ( أن عائشة قالت للذى احتلم في ثوبيه وغسلهما هل رأيت فيهما شيئا قال لا قالت فلو رأيت شيئا غسلته لقد رأيتنى وانى لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم يابسا بظفرى ) اختلف العلماء فى طهارة منى الآدمى فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته الاان أبا حنيفة قال
(3/197)

يكفى فى تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله رطبا ويابسا وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه وقال الحسن لا تعاد الصلاة من المنى فى الثوب وان كان كثيرا وتعاد منه فى الجسد وان قل وذهب كثيرون إلى أن المنى طاهر روى ذلك عن على بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وبن عمر وعائشة وداود وأحمد فى أصح الروايتين وهو مذهب الشافعى وأصحاب الحديث وقد غلط من أوهم أن الشافعى رحمه الله تعالى منفرد بطهارته ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره قالوا ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزيه واختيار النظافة والله أعلم هذا حكم منى الآدمى ولنا قول شاذ ضعيف أن منى المرأة نجس دون منى الرجل وقول أشذ منه أن منى المرأة والرجل نجس والصواب أنهما طاهران وهل يحل أكل المنى الطاهر فيه وجهان أظهرهما لا يحل لأنه مستقذر فهو داخل فى جملة الخبائث المحرمة علينا وأما منى باقى الحيوانات غير الآدمى فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وحيوان طاهر ومنيها نجس بلا خلاف وما عداها من الحيوانات فى منيه ثلاثة أوجه الأصح أنها كلها طاهرة من مأكول اللحم وغيره والثانى أنها نجسة والثالث منى مأكول اللحم طاهر ومنى غيره نجس والله أعلم وأما ألفاظ الباب ففيه خالد بن عبد الله عن خالد عن أبى معشر واسمه زياد بن كليب التميمى الحنظلى الكوفى وأما خالد الأول فهو الواسطى الطحان وأما خالد الثانى فهو الحذاء وهو خالد بن مهران أبو المنازل بضم الميم البصرى وفيه قولها كان يجزئك هو بضم الياء وبالهمز وفيه أحمد بن جواس هو بجيم مفتوحة ثم واو مشددة ثم ألف ثم سين مهملة وفيه شبيب بن غرقدة هو بفتح الغين المعجمة واسكان الراء وفتح القاف وفيه قولها فلو رأيت شيئا غسلته هو استفهام انكار حذفت منه الهمزة تقديره أكنت غاسله معتقدا وجوب غسله وكيف تفعل هذا وقد كنت أحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم يابسا بظفرى ولو كان نجسا لم يتركه النبى صلى الله عليه و سلم ولم يكتف بحكه والله أعلم وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على طهارة رطوبة فرج المرأة وفيها خلاف مشهور عندنا وعند غيرنا والأظهر طهارتها وتعلق المحتجون بهذا الحديث بأن قالوا الاحتلام مستحيل فى حق النبى صلى الله عليه و سلم لانه من تلاعب الشيطان بالنائم فلا يكون المنى الذى على ثوبه صلى الله عليه و سلم الا من الجماع ويلزم
(3/198)

من ذلك مرور المنى على موضع أصاب رطوبة الفرج فلو كانت الرطوبة نجسة لتنجس بها المنى ولما تركه فى ثوبه ولما اكتفى بالفرك وأجاب القائلون بنجاسة رطوبة فرج المرأة بجوابين أحدهما جواب بعضهم أنه يمتنع استحالة الاحتلام منه صلى الله عليه و سلم وكونها من تلاعب الشيطان بل الاحتلام منه جائز صلى الله عليه و سلم وليس هو من تلاعب الشيطان بل هو فيض زيادة المنى يخرج فى وقت والثانى أنه يجوز أن يكون ذلك المنى حصل بمقدمات جماع فسقط منه شئ على الثوب وأما المتلطخ بالرطوبة فلم يكن على الثوب والله أعلم