( باب مباشرة الحائض فوق الازار )
 
فيه ( عائشة رضي الله عنها قالت كان احدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم
(3/202)

أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يملك اربه ) وفيه ( ميمونة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يباشر نساءه فوق الازار وهن حيض ) هكذا وقع في الأصول في الرواية في الكتاب عن عائشة كان احدانا من غير تاء في كان وهو صحيح فقد حكى سيبويه في كتابه في باب ما جرى من الأسماء التي هي من الافعال وما أشبهها من الصفات مجرى الفعل قال وقال بعض العرب قال امرأة فهذا نقل الامام هذه الصيغة أنه يجوز حذف التاء من فعل ماله فرج من غير فصل وقد نقله أيضا الامام أبو الحسين بن خروف في شرح الجمل وذكره آخرون ويجوز أن تكون كان هنا التي للشأن والقصة أى كان الأمر أو الحال ثم ابتدأت فقالت احدانا إذا كانت حائضا أمرها والله أعلم وقولها في فور حيضتها هو بفتح الفاء واسكان الراء معناه معظمها ووقت كثرتها والحيضة بفتح الحاء أي الحيض وقولها أن تأتزر معناه تشد ازار تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة فما
(3/203)

تحتها وقولها وأيكم يملك اربه أكثر الروايات فيه بكسر الهمزة مع اسكان الراء ومعناه عضوه الذي يستمتع به أى الفرج ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء ومعناه حاجته وهي شهوة الجماع والمقصود أملككم لنفسه فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرم وهو مباشرة فرج الحائض واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى وعابها على المحدثين والله أعلم وأما الحيض فأصله في اللغة السيلان وحاض الوادي إذا سال قال الأزهري والهروي وغيرهما من الأئمة الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها والاستحاضة جريان الدم في غير أوانه قالوا ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ودم الاستحاضة يسيل من العاذل بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة وهو عرق فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره قال أهل اللغة يقال حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهي حائض بلا هاء هذه اللغة الفصيحة المشهورة وحكى الجوهري عن الفراء حائضة بالهاء ويقال حاضت وتحيضت ودرست وطمثت وعركت وضحكت ونفست كله بمعنى واحد وزاد بعضهم أكبرت وأعصرت بمعنى حاضت وأما أحكام الباب فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج فهذا حرام باجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة قال أصحابنا ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا ولو فعله انسان غير معتقد حله فان كان ناسيا أو جاهلا بوجود الحيض أو جاهلا بتحريمه أو مكرها فلا اثم عليه ولا كفارة وان وطئها عامدا عالما بالحيض والتحريم مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة نص الشافعي على أنها كبيرة وتجب عليه التوبة وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في احدى الروايتين وجماهير السلف أنه لا كفارة عليه وممن ذهب إليه من السلف عطاء وبن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد رحمهم الله تعالى أجمعين والقول الثاني وهو القديم الضعيف انه يجب عليه الكفارة وهو مروى عن بن عباس والحسن البصرى وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعى واسحاق وأحمد فى الرواية الثانية عنه واختلف هؤلاء فى الكفارة فقال الحسن وسعيد عتق رقبة وقال الباقون دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم فى الحال الذى يجب فيه الدينار ونصف الدينار هل الدينار فى أول الدم ونصفه فى آخره أو الدينار فى زمن الدم
(3/204)

ونصفه بعد انقطاعه وتعلقوا بحديث بن عباس المرفوع من أتى امرأته وهى حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب ألا كفارة والله أعلم القسم الثانى المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء وقد نقل الشيخ أبو حامد الاسفراينى وجماعة كثيرة الاجماع على هذا وأما ما حكى عن عبيدة السلمانى وغيره من أنه لا يباشر شيئا منها بشئ منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة فى الصحيحين وغيرهما فى مباشرة النبى صلى الله عليه و سلم فوق الازار واذنه فى ذلك باجماع المسلمين قبل المخالف وبعده ثم انه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شئ من الدم أو لا يكون هذا هو الصواب المشهور الذى قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للاحاديث المطلقة وحكى المحاملى من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة إذا كان عليه شئ من دم الحيض وهذا الوجه باطل لا شك فى بطلانه والله أعلم القسم الثالث المباشرة فيما بين السرة والركبة فى غير القبل والدبر وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها عند جماهيرهم وأشهرها فى المذهب أنها حرام والثاني أنها ليست بحرام ولكنها مكروهة كراهة تنزيه وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار والوجه الثالث أن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه اما لضعف شهوته واما لشدة ورعه جاز والا فلا وهذا الوجه حسن قاله أبوالعباس البصرى من أصحابنا وممن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقا مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن واصبغ واسحاق بن راهويه وأبو ثور وبن المنذر وداود وقد قدمنا أن هذا المذهب أقوى دليلا واحتجوا بحديث أنس الآتي اصنعوا كل شئ الا النكاح قالوا وأما اقتصار النبي صلى الله عليه و سلم في مباشرته على ما فوق الازار فمحمول على الاستحباب والله أعلم واعلم أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل أو تتيمم أن عدمت الماء بشرطه هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف
(3/205)

والخلف وقال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها في الحال واحتج الجمهور بقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن فاذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله والله أعلم