( باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء فى حجرها وقراءة القرآن فيه )
 
فيه حديث عائشه رضى الله عنها قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا اعتكف يدنى إلى رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان ) وفي رواية فأغسله وفيه حديث مناولة الخمرة وغيره قد تقدم مقصود فقه هذا الباب في الذي قبله وترجيل الشعر تسريحه وهو نحو قولها فأغسله وأصل الاعتكاف في اللغة الحبس وهو في الشرع حبس النفس في المسجد خاصة مع النية وقولها وهو مجاور أى معتكف وفي هذا الحديث فوائد كثيرة تتعلق بالاعتكاف وسيأتي في بابه أن شاء الله تعالى ومما تقدمه أن فيه أن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه وأن من حلف أن لا يدخل دارا أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث والله أعلم وفيه جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها برضاها وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف واجماع الأمة وأما
(3/208)

بغير رضاها فلا يجوز لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط والله أعلم وقولها ( قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ناولينى الخمرة من المسجد فقلت اني حائض فقال أن حيضتك ليست في يدك ) أما الخمرة فبضم الخاء واسكان الميم قال الهروى وغيره هي هذه السجادة وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص هكذا قاله الهروى والاكثرون وصرح جماعة منهم بأنها لا تكون الا هذا القدر وقال الخطابي هي السجادة يسجد عليها المصلى وقد جاء في سنن أبي داود عن بن عباس رضي الله عنه قال جاءت فأره فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم فهذا تصريح بإطلاق الخمرة على مازاد على قدر الوجه وسمت
(3/209)

خمرة لانها تخمر الوجه أى تغطيه وأصل التخمير التغطية ومنه خمار المرأة والخمر لانها تغطى العقل وقولها من المسجد قال القاضي عياض رضي الله عنه معناه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها ذلك من المسجد أى وهو في المسجد لتناوله اياها من خارج المسجد لا أن النبي صلى الله عليه و سلم آمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه صلى الله عليه و سلم كان في المسجد معتكفا وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه و سلم أن حيضتك ليست في يدك فانما خافت من ادخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم إن حيضتك ليست في يدك فهو بفتح الحاء هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح وقال الامام أبو سليمان الخطابي المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أى الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي وقال الصواب هنا ما قاله المحدثون من الفتح لان المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله صلى الله عليه و سلم ليست في يدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم
(3/210)

الحيض ليست في يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فان الصواب فيه الكسر هذا كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر هنا ولما قاله الخطابي وجه والله أعلم وقولها وتعرق العرق هو بفتح العين واسكان الراء وهو العظم الذي عليه بقية من لحم هذا هو الاشهر في معناه وقال أبو عبيد هو القدر من اللحم وقال الخليل هو العظم بلا لحم وجمعه عراق بضم العين ويقال عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم باسنانك والله أعلم قولها ( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتكئ في حجرى وأنا حائض فيقرأ القرآن ) فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب موضع النجاسة والله أعلم قوله ( ولم يجامعوهن في البيوت ) أى لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض أما المحيض الاول فالمراد به الدم وأما الثاني فاختلف فيه فمذهبنا أنه الحيض ونفس الدم
(3/211)

وقال بعض العلماء هو الفرج وقال الآخرون هو زمن الحيض والله أعلم قوله ( فجاء اسيد بن حضير ) هما بضم أولهما وحضير بالحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة قوله ( وجد عليهما ) أى غضب