( باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له )
 
( وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع ) فيه حديث عائشة رضى الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب
(3/215)

توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام ) وفى رواية ( إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة ) وفى رواية عمر رضى الله عنه ( يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ ) وفى رواية ( نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء ) وفى رواية ( توضأ واغسل ذكرك ثم نم ) وفى رواية
(3/216)

( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا كان جنبا ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام ) وفى رواية ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا ) وفى رواية ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد ) حاصل الأحاديث كلها أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال وهذا مجمع عليه وأجمعوا على أن بدن الجنب وغرقه طاهران وفيها أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الامور كلها ولا سيما إذا أراد جماع من لم يجامعها فانه يتأكد استحباب غسل ذكره وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء وهذه الأحاديث تدل عليه ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب وبهذا قال مالك والجمهور وذهب بن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه
(3/217)

وهو مذهب داود الظاهرى والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل وأما حديث بن عباس المتقدم فى الباب قبله فى الاقتصار على الوجه واليدين فقد قدمنا أن ذلك لم يكن فى الجنابة بل فى الحدث الأصغر وأما حديث أبى إسحاق السبيعى عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه و سلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود والترمذى والنسائى وبن ماجه وغيرهم فقال أبو داود عن يزيد بن هارون وهم أبو إسحاق فى هذا يعنى فى قوله لا يمس ماء وقال الترمذى يرون أن هذا غلط من أبى إسحاق وقال البيهقى طعن الحفاظ فى هذه اللفظة فبان بما ذكرناه ضعف الحديث واذا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يعترض به على ما قدمناه ولوصح لم يكن أيضا مخالفا بل كان له جوابان أحدهما جواب الامامين الجليلين أبى العباس بن شريح وأبى بكر البيهقى أن المراد لا يمس ماء للغسل والثانى وهو عندى حسن أن المراد انه كان فى بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز اذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه والله أعلم وأما طوافه صلى الله عليه و سلم على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه صلى الله عليه و سلم كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء وقد جاء فى سنن أبى داود أنه صلى الله عليه و سلم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا فقال هذا أزكى وأطيب وأطهر قال أبو داود والحديث الأول أصح قلت وعلى تقدير صحته يكون هذا فى وقت وذاك فى وقت والله أعلم واختلف العلماء فى حكمة هذا الوضوء فقال أصحابنا لأنه يخفف الحدث فانه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء وقال أبو عبد الله المازرى رضى الله عنه اختلف فى تعليله فقيل ليبيت على احدى الطهارتين خشية أن يموت فى منامه وقيل بل لعله أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه قال المازرى ويجرى هذا الخلاف فى وضوء الحائض قبل أن تنام فمن علل بالمبيت على طهارة استحبه لها هذا كلام المازرى وأما أصحابنا فانهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء لأن الوضوء لا يؤثر فى حدثهما فان كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب والله أعلم وأما طواف النبى صلى الله عليه و سلم على نسائه بغسل واحد فهو محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الدوام كما يجب علينا وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فان له أن يفعل ما يشاء
(3/218)

وهذا الخلاف فى وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا والله اعلم وفى هذه الأحاديث المذكورة فى الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور وانما يتضيق على الانسان عند القيام إلى الصلاة وهذا باجماع المسلمين وقد اختلف أصحابنا فى الموجب لغسل الجنابة هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو انزال المنى أم هو القيام إلى الصلاة أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا ومن قال يجب بالجنابة قال هو وجوب موسع وكذا اختلفوا فى موجب الوضوء هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة أم المجموع وكذا اختلفوا فى الموجب لغسل الحيض هل هو خروج الدم أم انقطاعه والله أعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب فقوله قال بن المثنى فى حديثه حدثنا الحكم سمعت ابراهيم يحدث معناه قال بن المثنى فى روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة قال شعبة حدثنا الحكم قال سمعت ابراهيم يحدث وفى الرواية المتقدمة شعبة عن الحكم عن ابراهيم والمقصود أن الرواية الثانية أقوى من الأولى فان الأولى بعن عن والثانية بحدثنا وسمعت وقد علم أن حدثنا وسمعت أقوى من عن وقد قالت جماعة من العلماء أن عن لا تقتضى الاتصال ولو كانت من غير مدلس وقد قدمنا ايضاح هذا فى الفصول وفى مواضع كثيرة بعدها والله أعلم وفيه محمد بن أبى بكر المقدمى هو بفتح الدال المشددة منسوب إلى جده مقدم وقد تقدم بيانه مرات وفيه أبو المتوكل عن أبى سعيد هو أبو المتوكل الناجى واسمه على بن داود وقيل بن داود بضم الدال منسوب إلى بنى ناجية قبيلة معروفة والله أعلم