( باب تحريم النظر إلى العورات )
 
فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولاتفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد ) وفي الرواية الاخرى ( عرية الرجل وعرية المرأة ) ضبطنا هذه اللفظة الاخيرة على ثلاثة أوجه عرية بكسر العين وإسكان الراء وعرية بضم العين وإسكان الراء وعرية بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء وكلها صحيحة قال أهل اللغة عرية الرجل بضم العين وكسرها هي متجردة والثالثة على التصغير وفي الباب زيد بن الحباب وهو بضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة المكررة المخففة والله أعلم وأما أحكام الباب ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة وهذا لاخلاف فيه وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالاجماع ونبة صلى الله عليه و سلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة وذلك بالتحريم أولى وهذا التحريم في حق غيرألازواج والسادة أما الزوجان فلكل واحد منهما النظر إلى عورة صاحبه جميعها الا الفرج نفسه ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها أنه مكروه لكل واحد منهما النظر إلى فرج صاحبه من غير حاجة وليس بحرام والثاني أنه حرام عليهما والثالث أنه حرام على الرجل مكروه للمرأة والنظر إلى باطن فرجها أشد كراهة وتحريما وأما السيد مع أمته فإن كان يملك
(4/30)

وطأها فهما كالزوجين وإن كانت محرمة عليه بنسب كأخته وعمته وخالته أو برضاع أو مصاهرة كأم الزوجة وبنتها وزوجة ابنه فهي كما اذا كانت حرة وإن كانت الامه مجوسية أو مرتده أو وثنية أو معتده أو مكاتبة فهي كالامة الاجنبيه وأما نظر الرجل إلى محارمه ونظرهن إليه فالصحيح أنه يباح فيما فوق السرة وتحت الركبة وقيل لا يحل الا مايظهر في حال الخدمة والتصرف والله أعلم وأما ضبط العورة في حق الاجانب فعورة الرجل مع الرجل ما بين السرة والركبة وكذلك المرأة مع المرأة وفي السرة والركبة ثلاثة أوجه لآصحابنا أصحها ليستا بعورة والثاني هما عورة والثالث السرة عورة دون الركبه وأما نظر الرجل إلى المرأة فحرام في كل شيء من بدنها فكذلك يحرم عليها النظر إلى كل شيء من بدنه سواء كان نظره ونظرها بشهوة أم بغيرها وقال بعض اصحابنا لايحرم نظرها إلى وجه الرجل بغير شهوة وليس هذا القول بشيء ولا فرق أيضا بين ألامة والحرة اذا كانتا اجنبيتين وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الامرد اذا كان حسن الصورة سواء كان نظره بشهوة أم لا سواء أمن الفتنة أم خافها هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه رحمهم الله تعالى ودليله أنه في معنى المرأة فإنه يشتهى كما تشتهى وصورته في الجمال كصورة المرأة بل ربما كان كثير منهم أحسن صورة من كثير من النساء بل هم في التحريم اولى لمعنى آخر وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر مالا يتمكن من مثله في حق المرأة والله أعلم وهذا الذي ذكرناه في جميع هذه المسائل من تحريم النظر هو فيما اذا لم تكن حاجة أما اذا كانت حاجة شرعية فيجوز النظر كما في حالة البيع والشراء والتطبب والشهادة ونحو ذلك ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه وأما الشهوة فلا حاجة اليها قال أصحابنا ألنظر بالشهوة حرام على كل أحد غير الزوج والسيد حتى يحرم على الانسان النظر إلى أمه وبنته بالشهوة والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه و سلم ولايفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد وكذلك في المرأة مع المرأة فهو نهي تحريم اذا لم يكن بينهما حائل وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان وهذا متفق عليه وهذا مما تعم به البلوى ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قيم وغيره ويجب عليه إذا رأى من يخل بشيء من هذا أن ينكر عليه قال العلماء ولا يسقط عنه الانكار
(4/31)

بكونه يظن أن لا يقبل منه بل يجب عليه الإنكار إلا أن يخاف على نفسه وغيره فتنة والله أعلم وأما كشف الرجل عورته في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي فإن كان لحاجة جاز وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف العلماء في كراهته وتحريمه والأصح عندنا أنه حرام ولهذه المسائل فروع وتتمات وتقييدات معروفة في كتب الفقه وأشرنا هنا إلى هذه الأحرف لئلا يخلو هذا الكتاب من أصل ذلك والله أعلم