( باب الوضوء مما مست النار )
 
ذكر مسلم رحمه الله تعالى في هذا الباب الاحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار ثم عقبها بالاحاديث الواردة بترك الوضوء مما مست النار فكأنه يشير إلى ان الوضوء منسوخ وهذه عادة مسلم وغيره من
(4/42)

أئمة الحديث يذكرون الاحاديث التي يرونها منسوخة ثم يعقبونها بالناسخ وقد اختلف العلماء في قوله صلى الله عليه و سلم توضؤوا مما مست النار فذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى انه لاينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار ممن ذهب إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو الدرداء وبن عباس وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وجابر بن سمرة وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو هريرة وابي بن كعب وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين وهؤلاء كلهم صحابة وذهب إليه جماهير التابعين وهو مذهب مالك وابي حنيفة والشافعي وأحمد واسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبي ثور وابي خيثمة رحمهم الله وذهب طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي وضوء الصلاة بأكل ما مسته النار وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والزهري وابي قلابة 2وأبي مجلر واحتج هؤلاء بحديث توضؤوا مما مسته النار واحتج الجمهور بالاحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار وقد ذكر مسلم هنا منها جملة وباقيها في كتب أئمة الحديث المشهورة وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين أحدهما أنه منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه قال كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار وهو حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من أهل السنن باسانيدهم الصحيحة والجواب الثاني أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين ثم أن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الاول ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لايجب الوضوء بأكل ما مسته
(4/43)

النار والله أعلم قوله في أول الباب ( قال قال بن شهاب أخبرني عبد الملك بن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ) كذا هو في جميع الاصول عبد الملك بن ابي بكر وكذا نقله الحافظ أبو علي الغساني عن جماعة رواه الكتاب قال أبو علي وفي نسخه بن الحذاء مما أصلح بيده فافسده قال بن شهاب فأخبرني عبد الله بن أبي بكر جعل عبد الله موضع عبد الملك قال أبو علي والصواب عبد الملك وكذا رواه الجلودي وكذلك هو في نسخه أبي زكريا عن بن ماهان وكذلك رواه الزبيدي عن الزهري عن عبد الملك بن ابي بكر وهو أخو عبد الله بن ابي بكر والله أعلم قوله ( أن عبد الله بن ابراهيم بن قارظ ) هكذا هو في مسلم هنا وفي باب الجمعة والبيوع ووقع في باب الجمعة من كتاب مسلم من رواية بن جريج ابراهيم بن عبد الله بن قارظ وكلاهما قد قيل وقد اختلف الحفاظ فيه على هذين القولين فصار إلى كل واحد منهما جماعة كثيرة وقارظ بالقاف وكسر الراء وبالظاء المعجمة قوله ( أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد فقال انما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها ) قال الهروى وغيره الاثوار جمع ثور وهو القطعة من الاقط وهو بالثاء المثلثة والاقط معروف وهو مما مسته النار قوله ( يتوضأ على المسجد ) دليل على جواز الوضوء في المسجد وقد نقل بن المنذر اجماع العلماء على جوازه مالم يؤذ به
(4/44)

أحدا قوله ( أكل عرقا ) هو بفتح العين واسكان الراء وهو العظم عليه قليل من اللحم وقد تقدم بيانه في أخر كتاب الايمان مبسوطا قوله ( يحتز من كتف شاة ) فيه جواز قطع اللحم بالسكين وذلك تدعو إليه الحاجة لصلابة اللحم أو كبر القطعة قالوا ويكره من غير حاجة قوله ( فدعى إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ ) في هذا دليل على جواز بل استحباب استدعاء الائمة إلى الصلاة اذا حضر وقتها وفيه أن الشهادة على النفي تقبل اذا كان المنفي محصورا مثل هذا وفيه ان الوضوء مما مست النار ليس بواجب وفي السكين لغتان التذكير والتأنيث
(4/45)

يقال سكين جيد وجيدة سميت سكينا لتسكينها حركة المذبوح والله أعلم قوله ( عن ابي غطفان عن ابي رافع رضي الله عنه قال اشهد لكنت اشوي لرسول الله صلى الله عليه و سلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ ) أما أبو غطفان بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة فهو بن طريف المري المدني قال الحاكم ابو أحمد لايعرف إسمه قال ويقال في كنيته أيضا أبو مالك وأما أبو رافع فهو مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم واسمه أسلم وقيل ابراهيم وقيل هرمز وقيل ثابت وقوله بطن الشاه يعني الكبد وما معه من حشوها وفي الكلام حذف تقديره أشوي بطن الشاه فيأكل منه ثم يصلي ولايتوضأ والله أعلم قوله ( ان النبي صلى الله عليه و سلم شرب لبنا ثم دعا بماء فتمضمض وقال ان له دسما ) فيه استحباب المضمضه من شرب اللبن قال العلماء وكذلك غيره من المأكول والمشروب تستحب له المضمضه ولئلا تبقى منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة ولتنقطع لزوجته ودسمه ويتطهر فمه واختلف العلماء في استحباب غسل اليد قبل الطعام وبعده والاظهر استحبابه أولا إلا أن يتيقن من نظافة اليد من النجاسة والوسخ واستحبابه بعد الفراغ الا أن لايبقى على اليد أثر الطعام بأن كان يابسا ولم يمسه بها وقال مالك رحمه الله تعالى لا يستحب غسل اليدللطعام الا ان يكون على اليد أولا قذر ويبقى عليها بعد الفراغ رائحة والله أعلم قوله ( وحدثني أحمد بن عيسى قال
(4/46)

حدثنا احمد بن وهب واخبرني عمرو ) هكذا هو في الاصول وأخبرني عمرو بالواو في واخبرني وهي واو العطف والقائل واخبرني عمرو هو بن وهب وانما أتى بالواو أولا لأنه سمع من عمرو أحاديث فرواها وعطف بعضها على بعض فقال إبن وهب أخبرني عمروبكذا واخبرني عمرو بكذا وعدد تلك الاحاديث فسمع احمد بن عيسى لفظ بن وهب هكذا بالواو فأداه أحمد بن عيسى كما سمعه فقال حدثنا بن وهب قال يعني أبن وهب واخبرني عمرو والله أعلم قوله حدثنا محمد بن عمرو بن حلحله هو بالحائين المهملتين المفتوحتين بينهما اللام الساكنه قوله ( وفيه أن بن عباس رضي الله عنهما شهد ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم ) هذا فيه فائده لطيفة وذلك أن الرواية الاولى فيها عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع ثيابه وليس فيها أن إبن عباس رأى هذه القضية فيحتمل أنه رآها ويحتمل أنه سمعها من غيره وعلى تقدير أن يكون سمعها من غيره يكون مرسل صحابي وقد منع الاحتجاج به الاستاذ أبو إسحاق ألاسفرايني والصواب قول الجمهور الاحتجاج به فلما كانت هذه الرواية محتملة هذا الذي ذكرناه نبه
(4/47)

مسلم رحمه الله تعالى على ما يزيل هذا كله فقال شهد بن عباس ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم