( باب الدليل على أن المسلم لا ينجس )
 
فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( سبحان الله أن المؤمن لاينجس ) وفي الرواية الاخرى ( إن المسلم لاينجس
(4/65)

هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا فأما الحي فطاهر باجماع المسلمين حتى الجنين إذا ألقته امه وعليه رطوبة فرجها قال بعض أصحابنا هو طاهر بإجماع المسلمين قال ولا يجيء فيه الخلاف المعروف في نجاسة رطوبة فرج المرأة ولا الخلاف المذكور في كتب اصحابنا في نجاسة ظاهر بيض الدجاج ونحوه فإن فيه وجهين بناء على رطوبة الفرج هذا حكم المسلم الحي وأما الميت ففيه خلاف للعلماء وللشافعي فيه قولان الصحيح منهما أنه طاهر ولهذا غسل ولقوله صلى الله عليه و سلم ان المسلم لا ينجس وذكر البخاري في صحيحه عن بن عباس تعليقا المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا هذا حكم المسلم وأما الكافر فحكمه في الطهارة والنجاسة حكم المسلم هذا مذهبنا ومذهب الجماهير من السلف والخلف وأما قول الله عز و جل انما المشركون نجس فالمراد نجاسة الاعتقاد والاستقذار وليس المراد أن أعضاءهم نجسه كنجاسة البول والغائط ونحوهما فاذا ثبتت طهارة الادمي مسلما كان أو كافرا فعرقه ولعابه ودمعه طاهرات سواء كان محدثا أو جنبا أو حائضا أو نفساء وهذا كله باجماع المسلمين كما قدمته في باب الحيض وكذلك الصبيان أبدانهم وثيابهم ولعابهم محمولة على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فتجوزالصلاة في ثيابهم والاكل معهم من المائع اذا غمسوا أيديهم فيه ودلائل هذا كله من السنة والاجماع مشهورة والله أعلم وفي هذا الحديث استحباب احترام أهل الفضل وأن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم فيكون على أكمل الهيئات وأحسن الصفات وقد استحب العلماء لطالب العلم أن يحسن حاله في حال مجالسة شيخه فيكون متطهرا متنظفا بازالة الشعور المأمور بأزالتها وقص الأظفار وازالة الروائح الكريهة والملابس المكروهة وغير ذلك فإن ذلك من اجلال العلم والعلماء والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا من
(4/66)

من الآداب أن العالم اذا رأى من تابعه أمرا يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه وقال له صوابه وبين له حكمه والله أعلم وأما ألفاظ الباب ففيه قوله صلى الله عليه و سلم ( المؤمن لاينجس ) يقال بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا وهذا قياس مطرد معروف عند أهل العربية الا أحرفا مستثناه من المكسور والله أعلم وفيه قوله فانسل أي ذهب في خفية ) وفيه قوله صلى الله عليه و سلم ( سبحان الله أن المؤمن لا ينجس ) وقد قدمنا في مواضع أن سبحان الله في هذا الموضع وشبهه يراد بها التعجب وبسطنا الكلام فيه في باب وجوب الغسل على المرأة اذا انزلت المني وفيه قوله ( فحاد عنه ) أي مال وعدل وفيه أبو رافع عن ابي هريره واسم ابي رافع نفيع وفيه أبو وائل واسمه شقيق بن سلمه وأما ما يتعلق بأسانيد الباب ففيه قول مسلم في الاسناد الثاني ( وحدثنا أبو بكر بن ابي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن مسعر عن واصل عن ابي وائل عن حذيفة ) هذا الاسناد كله كوفيون الا أن حذيفة كان معظم مقامه بالمدائن وأما قوله في الاسناد الأول ( حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد قال حميد حدثنا ح وحدثنا أبو بكر بن ابي شيبة واللفظ له قال حدثنا إسماعيل بن علية عن حميد الطويل عن ابي رافع عن ابي هريرة ) فقد يلتبس على بعض الناس قوله قال حميد حدثنا وليس فيه ما يوجب اللبس على من له أدنى اشتغال بهذا الفن فان اكثر ما فيه أنه قدم حميدا على حدثنا والغالب أنهم يقولون حدثنا حميد فقال هو حميد حدثنا ولا فرق بين تقديمه وتأخيره في المعنى والله أعلم وأما قوله عن حميد عن ابي رافع فهكذا هو في صحيح مسلم في جميع النسخ قال القاضي عياض قال الامام أبو عبد الله المازري هذا الاسناد منقطع انما يرويه حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن ابي رافع هكذا أخرجه البخاري وأبوبكر بن ابي شيبه
(4/67)

في مسنده وهذا كلام القاضي عن المازري وكما اخرجه البخاري عن حميد عن بكر عن ابي رافع كذلك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وبن ماجة وغيرهم من الائمة ولا يقدح هذا في أصل متن الحديث فان المتن ثابت على كل حال من رواية ابي هريرة ومن رواية حذيفة والله أعلم