( باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء )
 
فيه قول مسلم ( وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال أقيمت الصلاة ورسول الله صلى الله عليه و سلم يناجي الرجل ) وفي رواية ( نجى لرجل فما قام إلى الصلاة
(4/71)

حتى نام القوم ) قال مسلم ( حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب سمع أنس بن مالك رضي الله عنه اقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه و سلم يناجي رجلا فلم يزل يناجيه حتى نام اصحابه ثم جاء فصلى بهم ) قال مسلم ( وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد وهو بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت انسا يقول كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون قال قلت سمعته من أنس قال إي والله ) هذه الاسانيد الثلاثة رجالها بصريون كلهم وقد قدمنا مرات أن شعبة واسطى بصرى وقد قدمنا بيان كون فروخ والد شيبان لا ينصرف للعجمة وقد قدمنا بيان الفائدة في قوله وهو بن الحارث وأوضحنا ذلك في الفصول المتقدمه وفي مواضع بعدها وأما قوله قلت سمعته من أنس قال إي والله مع أنه قال أولا سمعت أنسا فاراد به الاستثبات فان قتادة رضي الله عنه كان من المدلسين وكان شعبة رحمه الله تعالى من أشد الناس ذما للتدليس وكان يقول الزنى أهون من التدليس وقد تقرر أن المدلس اذا قال عن لا يحتج به واذا قال سمعت احتج به على المذهب الصحيح المختار فأراد شعبة رحمة الله تعالى الاستثبات من قتادة في لفظ السماع والظاهر أن قتادة علم ذلك من حال شعبة ولهذا حلف بالله تعالى والله أعلم وأما قوله نجى لرجل فمعناه مسار له والمناجاة التحديث سرا ويقال رجل نجى رجلان ونجى ورجال نجى بلفظ واحد قال الله تعالى
(4/72)

وقربناه نجيا وقال تعالى خلصوا نجيا والله أعلم وأما فقه الحديث ففيه جواز مناجاة الرجل بحضرة الجماعة وانما نهى عن ذلك بحضرة الواحد وفيه جواز الكلام بعد اقامة الصلاة لاسيما في الامور المهمة ولكنه مكروه في غير المهم وفيه تقديم الاهم فالأهم من الامور عند ازدحامها فإنه صلى الله عليه و سلم انما ناجاه بعد الاقامة في امر مهم من امور الدين مصلحته راجحة على تقديم الصلاة وفيه أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء وهذه هي المسألة المقصودة بهذا الباب وقد اختلف العلماء فيها على مذاهب احدها أن النوم لا ينقض الوضوء على اي حال كان وهذا محكي عن ابي موسى الاشعري وسعيد بن المسيب وابي مجلز وحميد الاعرج وشعبة والمذهب الثاني أن النوم ينقض الوضوء بكل حال وهو مذهب الحسن البصري والمزني وابي عبيد القاسم بن سلام واسحاق بن راهويه وهو قول غريب للشافعي قال بن المنذر وبه أقول قال وروي معناه عن بن عباس وأنس وابي هريرة رضي الله عنهم والمذهب الثالث أن كثير النوم ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال وهذا مذهب الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك واحمد في أحدى الروايتين عنه والمذهب الرابع أنه اذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لاينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو لم يكن وان نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض وهذا مذهب ابي حنيفة وداود وهو قول للشافعي غريب والمذهب الخامس أنه لا ينقض الا نوم الراكع والساجد روى هذا عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى والمذهب السادس أنه لا ينقض الانوم الساجد وروي أيضا عن أحمد رضي الله عنه والمذهب السابع أنه لاينقض النوم في الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعي رحمه الله تعالى والمذهب الثامن أنه اذا نام جالسا ممكنا مقعدته من الارض لم ينتقض والا انتقض سواء قل أو كثر سواء كان في الصلاة أو خارجها وهذا مذهب الشافعي وعنده أن النوم ليس حدثا في نفسه وانما هو دليل على خروج الريح فاذا نام غير ممكن المقعدة غلب على الظن خروج الريح فجعل
(4/73)

الشرع هذا الغالب كالمحقق وأما اذا كان ممكنا فلا يغلب على الظن الخروج والاصل بقاء الطهارة وقد وردت احاديث كثيرة في هذه المسألة يستدل بها لهذه المذاهب وقد قررت الجمع بينها ووجه الدلالة منها في شرح المهذب وليس مقصودي هنا الاطناب بل الاشارة إلى المقاصد والله أعلم واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون والاغماء والسكر بالخمر أو النبيذ او البنج او الدواء ينقض الوضوء سواء قل أو كثر سواء كان ممكن المقعدة أوغير ممكنها قال اصحابنا وكان من خصائص رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لاينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا للحديث الصحيح عن بن عباس قال نام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى سمعت غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ والله أعلم ( فرع ) قال الشافعي والأصحاب لاينقض الوضوء بالنعاس وهوالسنة قالوا وعلامة النوم أن فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر وغيرها من الحواس وأما النعاس فلا يغلب على العقل وانما تفتر فيه الحواس من غير سقوطها ولو شك هل نام أم نعس فلا وضوء عليه ويستحب أن يتوضأ ولو تيقن النوم وشك هل نام ممكن المقعدة من الارض أم لا لم ينقض وضوؤه ويستحب أن يتوضأ ولو نام جالسا ثم زالت اليتاه أو إحداهما عن الارض فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوؤه لانه مضى عليه لحظة وهو نائم غير ممكن المقعدة وان زالت بعد الانتباه أو معه أو شك في وقت زوالها لم ينتقض وضوؤه ولو نام ممكنا مقعدته من الارض مستندا إلى حائط أوغيره لم ينتقض وضوؤه سواء كانت بحيث لو رفع الحائط لسقط أو لم يكن ولونام محتبيا ففيه ثلاثة أوجه لاصحابنا أحدها لاينتقض كالمتربع والثاني ينتقض كالمضطجع والثالث أن كان نحيف البدن بحيث لاتنطبق اليتاه على الارض انتقض وان كان الحم البدن بحيث ينطبقان لم ينتقض والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة
(4/74)