( باب فضل الاذان وهروب الشيطان عند سماعه )
 
فيه قوله صلى الله عليه و سلم ( المؤذنون اطول الناس اعناقا يوم القيامه ) وقوله صلى الله عليه و سلم
(4/89)

( ان الشيطان اذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء قال الراوي هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا ) وفي رواية ( أن الشيطان اذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لايسمع صوته فاذا سكت رجع فوسوس فإذا سمع الاقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فاذا سكت رجع فوسوس ) وفي رواية ( إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله حصاص ) وفي رواية
(4/90)

( اذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين فاذا قضي التأذين أقبل حتى اذا ثوب بالصلاة أدبر حتى اذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول له اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى ) أما أسماء الرجال ففيه طلحة بن يحيى عن عمه هذا العم هو عيسى بن طلحة بن عبيد الله كما بينه في الرواية الاخرى وقوله ( الاعمش عن ابي سفيان ) اسم أبي سفيان طلحة بن نافع سبق بيانه مرات وقوله ( قال سليمان فسألته عن الروحاء ) سليمان هو الاعمش سليمان بن مهران والمسئول أبو سفيان طلحة بن نافع وفيه أمية بن بسطام بكسر الباء وفتحها مصروف وغير مصروف وسبق بيانه في اول الكتاب مرات قوله ( أرسلني أبي إلى بني حارثه ) هو بالحاء قوله ( الحزامي ) هو بالحاء المهملة والزاي وأما لغاته وألفاظه فقوله صلى الله عليه و سلم المؤذنون أطول الناس أعناقا هو بفتح همزة أعناقا جمع عنق واختلف السلف والخلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفا إلى
(4/91)

رحمة الله تعالى لآن المتشوف يطيل عنقه إلى ما يتطلع إليه فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب وقال النضر بن شميل اذا ألجم الناس العرق يوم القيامه طالت اعناقهم لئلا ينالهم ذلك الكرب والعرق وقيل معناه أنهم سادة ورؤساء والعرب تصف السادة بطول العنق وقيل معناه أكثر اتباعا وقال بن الاعرابي معناه اكثر الناس أعمالا قال القاضي عياض وغيره ورواه بعضهم أعناقا بكسر الهمزة أي اسراعا إلى الجنة وهو من سير العنق قوله مكان الروحاء هي بفتح الراء وبالحاء المهملة وبالمد قوله اذا سمع الشيطان الاذان أحال هو بالحاء المهملة أي ذهب هاربا قوله وله حصاص هو بحاء مهملة مضمومه وصادين مهملتين أي ضراط كما في الرواية الاخرى وقيل الحصاص شدة العدو قالهما ابو عبيد والائمة من بعده قال العلماء وانما أدبر الشيطان عند الاذان لئلا يسمعه فيضطر إلى ان يشهد له بذلك يوم القيامة لقول النبي صلى الله عليه و سلم لايسمع صوت المؤذن جن ولا انس ولا شيء الا شهد له يوم القيامه قال القاضي عياض وقيل انما يشهد له المؤمنون من الجن والانس فأما الكافر فلا شهادة له قال ولا يقبل هذا من قائله لما جاء في الاثار من خلافه قال وقيل ان هذا فيمن يصح منه الشهادة ممن يسمع وقيل بل هو عام في الحيوان والجماد وان الله تعالى يخلق لها ولما لا يعقل من الحيوان ادراكا للاذان وعقلا ومعرفة وقيل انما يدبر الشيطان لعظم امر الاذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد واظهار شعائر الاسلام واعلانه وقيل ليأسه من وسوسة الانسان عند الاعلان بالتوحيد وقوله صلى الله عليه و سلم حتى اذا ثوب بالصلاة المراد بالتثويب الاقامة وأصله من ثاب اذا رجع ومقيم الصلاة راجع إلى الدعاء اليها فان الاذان دعاء إلى الصلاة والاقامة دعاء اليها قوله حتى يخطر بين المرء ونفسه هو بضم الطاء وكسرها حكاهما القاضي عياض في المشارق قال ضبطناه عن المتقنين بالكسر وسمعناه من اكثر الرواة بالضم قال والكسر هو الوجه ومعناه يوسوس وهو من قولهم خطر الفحل بذنبه اذا حركه فضرب به فخذيه وأما بالضم فمن السلوك والمرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله عما هو فيه وبهذا فسره الشارحون للموطأ وبالاول فسره الخليل قوله ( حتى يظل الرجل أن يدري كيف صلى ) ان بمعنى ما كما في الرواية
(4/92)

الاولى هذا هوالمشهور في قوله ان يدري أنه بكسر همزة ان قال القاضي عياض وروي بفتحها قال وهي رواية بن عبد البر وادعى انها رواية أكثرهم وكذا ضبطه الأصيلي في كتاب البخاري والصحيح الكسر أما فقه الباب ففيه فضيله الاذان والمؤذن وقد جاءت فيه أحاديث كثيرة في الصحيحين مصرحه بعظم فضله واختلف اصحابنا هل الافضل للانسان أن يرصد نفسه للاذان أم للامامة على اوجه اصحها الاذان أفضل وهو نص الشافعي رضي الله عنه في الام وقول اكثر اصحابنا والثاني الامامه افضل وهونص الشافعي أيضا والثالث هما سواء والرابع ان علم من نفسه القيام بحقوق الامامة وجميع خصالها فهي افضل والا فالاذان قاله أبو علي الطبري وأبو القاسم بن كج والمسعودي والقاضي حسين من اصحابنا وأما جمع الرجل بين الامامة والاذان فان جماعة من اصحابنا يستحب ان لا يفعله وقال بعضهم يكره وقال محققوهم وأكثرهم انه لابأس به بل يستحب وهذا اصح والله أعلم