( باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الاحرام )
 
( والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لايفعله اذا رفع من السجود ) فيه 0 بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم اذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وقبل ان يركع واذا رفع من الركوع ولا يرفعهما بين السجدتين ) وفي رواية
(4/93)

( ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود ) وفي رواية ( اذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم كبر ) وفي رواية مالك بن الحويرث ( اذا صلى كبر ثم رفع يديه ) وفي رواية له ( اذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما اذنيه واذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما اذنيه ) وفي رواية ( يحاذي بهما
(4/94)

فروع اذنيه ) اجمعت الامة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الاحرام واختلفوا فيما سواها فقال الشافعي واحمد وجمهور العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم يستحب رفعهما ايضا عند الركوع وعند الرفع منه وهو رواية عن مالك وللشافعي قول أنه يستحب رفعهما في موضع آخر رابع وهو اذا قام من التشهد الاول وهذا القول هو الصواب فقد صح فيه حديث بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم انه كان يفعله رواه البخاري وصح ايضا من حديث ابي حميد الساعدي رواه ابو داود والترمذي باسانيد صحيحة وقال ابو بكر بن المنذر وابو على الطبري من اصحابنا وبعض اهل الحديث يستحب ايضا في السجود وقال ابو حنيفة واصحابه وجماعة من اهل الكوفة لا يستحب في غير تكبيرة الاحرام وهو اشهر الروايات عن مالك واجمعوا على انه لايجب شيء من الرفع وحكى عن داود ايجابه عند تكبيرة الاحرام وبهذا قال الامام ابو الحسن احمد بن سيأر السيارى من اصحابنا اصحاب الوجوه وقد حكيته عنه في شرح المهذب وفي تهذيب اللغات وأما صفة الرفع فالمشهور من مذهبنا ومذهب الجماهير انه يرفع يديه حذو منكبيه بحيث تحاذي اطراف أصابعه فروع اذنيه أي اعلى اذنيه وابهاماه شحمتى اذنيه وراحتاه منكبيه فهذا معنى قولهم حذو منكبيه وبهذا جمع الشافعي رضي الله عنه بين روايات الأحاديث فاستحسن الناس ذلك منه وأما وقت الرفع ففي الرواية الاولى رفع يديه ثم كبر وفي الثانيه كبر ثم رفع يديه وفي الثالثه اذا كبر رفع يديه ولاصحابنا فيه اوجه أحدها يرفع غير مكبر ثم يبتدئ التكبير مع ارسال اليدين وينهيه مع انتهائه والثاني يرفع غير مكبر ثم يكبر ويداه قارتان ثم يرسلهما والثالث يبتدئ الرفع من ابتدائه التكبير وينهيهما معا والرابع يبتدئ بهما معا وينهي التكبير مع انتهاء الارسال والخامس وهو الاصح يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء فان فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس تمم الباقي وان فرغ منهما حط يديه ولم يستدم الرفع ولو كان اقطع اليدين من المعصم او احداهما رفع الساعد وان قطع من الساعد رفع العضد على الاصح وقيل لا يرفعه لو لم يقدر على الرفع الا بزيادة على المشروع اونقص منه فعل الممكن فان أمكن فعل الزائد ويستحب
(4/95)

أن يكون كفاه إلى القبلة عند الرفع وأن يكشفهما وأن يفرق بين أصابعهما تفريقا وسطا ولو ترك الرفع حتى اتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي فلو تركه حتى اتمه لم يرفعهما بعده ولا يقصر التكبير بحيث لا يفهم ولا يبالغ في مده بالتمطيط بل يأتي به مبينا وهل يمده أو يخففه فيه وجهان اصحهما يخففه واذا وضع يديه حطهما تحت صدره فوق سرته هذا مذهب الشافعي والاكثرين وقال ابو حنيفة وبعض اصحاب الشافعي تحت سرته والاصح انه اذا ارسلهما أرسلهما ارسالا خفيفا إلى تحت صدره فقط ثم يضع اليمين على اليسار وقيل يرسلهما إرسالا بليغا ثم يستأنف رفعهماالى تحت صدره والله أعلم واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين فقال الشافعي رضي الله عنه فعلته اعظاما لله تعالى واتباعا لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقال غيره هو استكانة واستسلام وانقياد وكان الاسير اذا غلب مد يديه علامة للاستسلام وقيل هو اشارة إلى استعظام ما دخل فيه وقيل اشارة إلى طرح أمور الدنيا والاقبال بكليته على الصلاة ومناجاة ربه سبحانه وتعالى كما تضمن ذلك قوله الله اكبر فيطابق فعله قوله وقيل اشارة إلى دخوله في الصلاة وهذا الاخير مختص بالرفع لتكبيرة الاحرام وقيل غير ذلك وفي اكثرها نظر والله اعلم وقوله اذا قام إلى الصلاة رفع يديه ثم كبر فيه اثبات تكبيرة الاحرام وقد قال صلى الله عليه و سلم صلوا كما رايتموني اصلي رواه البخاري من رواية مالك بن الحويرث وقال صلى الله عليه و سلم للذي علمه الصلاة اذا قمت إلى الصلاة فكبر وتكبيرة الاحرام واجبه عند مالك والثوري والشافعي وابي حنيفة واحمد والعلماء كافة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم الا ما حكاه القاضي عياض رحمه الله وجماعة عن بن المسيب والحسن والزهري وقتادة والحكم والاوزاعي انه سنة ليس بواجب وان الدخول في الصلاة يكفي فيه النية ولا اظن هذا يصح عن هؤلاء الاعلام مع هذه الاحاديث الصحيحه مع حديث على رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ولفظة التكبير الله اكبر فهذا يجزئ بالاجماع قال الشافعي ويجزي الله الاكبر لايجزي غيرهما وقال مالك لا يجزئ الا الله اكبر وهو الذي ثبت ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يقوله وهذا قول منقول عن الشافعي في القديم واجاز ابو يوسف الله الكبير وأجاز أبو حنيفة الاقتصار فيه على كل لفظ فيه تعظيم الله تعالى كقوله الرحمن أكبر أو الله أجل أو أعظم وخالفه جمهور العلماء
(4/96)

من السلف والخلف والحكمة في ابتداء الصلاة بالتكبير افتتاحها بالتنزيه والتعظيم لله تعالى ونعته بصفات الكمال والله أعلم