( باب ائتمام المأموم بالإمام )
 
فيه أنس رضي الله عنه قال ( سقط النبي صلى الله عليه و سلم عن فرس فجحش شقه الأيمن فدخلنا
(4/130)

عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا فصلينا وراءه قعودا فلما قضى الصلاة قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون ) وفي رواية ( فإذا صلى قائما فصلوا قياما ) وفي رواية عائشة رضي الله عنها
(4/131)

( صلى جالسا فصلوا بصلاته قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فجلسوا ) وذكر أحاديث آخر بمعناه قوله جحش هو بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة أي خدش وقوله فحضرت الصلاة ظاهرة أنه صلى الله عليه و سلم صلى بهم صلاة مكتوبة وفيه جواز الإشارة والعمل القليل في الصلاة للحاجة وفيه متابعة الإمام في الأفعال والتكبير وقوله ربنا ولك الحمد كذا وقع هنا ولك الحمد بالواو وفي روايات بحذفها وقد سبق أنه يجوز الأمران وفيه وجوب متابعة المأموم لإمامه في التكبير والقيام والقعود والركوع والسجود وأنه يفعلها بعد المأموم فيكبر تكبيرة الإحرام بعد فراغ الإمام منها فإن شرع فيها قبل فراغ الإمام منها لم تنعقد صلاته ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولكن لا تبطل صلاته وكذا السجود ويسلم بعد فراغ الإمام من السلام فإن سلم قبله بطلت صلاته إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف مشهور وإن سلم معه لا قبله ولا بعده فقد أساء ولا تبطل صلاته على الصحيح وقيل تبطل وأما قوله صلى الله عليه و سلم
(4/132)

وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا فاختلف العلماء فيه فقالت طائفة بظاهرة وممن قال به أحمد بن حنبل والأوزاعي رحمهما الله تعالى وقال مالك رحمه الله تعالى في رواية لا يجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعدا وقال أبو حنيفة والشافعي وجمهور السلف رحمهم الله تعالى لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائما واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه و سلم في مرض وفاته بعد هذا قاعدا وأبو بكر رضي الله عنه والناس خلفه قياما وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر رضي الله عنه كان هو الإمام والنبي صلى الله عليه و سلم مقتد به لكن الصواب أن النبي صلى الله عليه و سلم كان هو الإمام وقد ذكره مسلم بعد هذا الباب صريحا أو كالصريح فقال في روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت
(4/133)

فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جلس عن يسار أبي بكر وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه و سلم ويقتدى الناس بصلاة أبي بكر وأما قوله صلى الله عليه و سلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فمعناه عند الشافعي وطائفة في الأفعال الظاهرة وإلا فيجوز أن يصلى الفرض خلف النفل وعكسه والظهر خلف العصر وعكسه وقال مالك وابو حنيفة رضي الله عنهما وآخرون لا يجوز ذلك وقالوا معنى الحديث ليؤتم به في الأفعال والنيات ودليل الشافعي رضي الله عنه وموافقيه أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بأصحابه ببطن نخل صلاة الخوف مرتين بكل فرقة مرة فصلاته الثانية وقعت له نفلا وللمقتدين فرضا وأيضا حديث معاذ كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم يأتي قومه فيصليها بهم هي له تطوع ولهم فريضة ولهم مما يدل على أن الائتمام إنما يجب في الأفعال الظاهرة قوله صلى الله عليه و سلم في رواية جابر رضي الله عنه ( ائتموا بأئمتكم أن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ) والله أعلم وقوله صلى الله عليه و سلم ( إنما الإمام جنة ) أي ساتر
(4/134)

لمن خلفه ومانع من خلل يعرض لصلاتهم بسهو أو مرور أي كالجنة وهي الترس الذي يستر من وراءه ويمنع وصول مكروه إليه قوله صلى الله عليه و سلم ( إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهو قعود فلا تفعلوا ) فيه النهي عن قيام الغلمان والتباع على رأس متبوعهم الجالس لغير حاجة وأما القيام للداخل إذا كان من أهل الفضل والخير فليس من هذا بل هو جائز قد جاءت به احاديث وأطبق عليه السلف والخلف وقد جمعت دلائله وما يرد عليه في جزء وبالله التوفيق والعصمة