( باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن )
 
قوله سوق عكاظ هو بضم العين وبالظاء المعجمة يصرف ولا يصرف والسوق تؤنث وتذكر لغتان قيل سميت بذلك لقيام الناس فيها على سوقهم قوله عن بن عباس رضي الله عنهما قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجن وما رآهم وذكر بعده حديث بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال العلماء هما قضيتان فحديث بن عباس في أول الأمر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة قل أوحى واختلف المفسرون هل علم النبي صلى الله عليه و سلم استماعهم حال استماعهم بوحى أوحى إليه أم لم يعلم بهم الا بعد ذلك واما حديث بن مسعود فقضية أخرى جرت بعد ذلك بزمان الله اعلم بقدره وكان بعد اشتهار الاسلام قوله وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت الشهب عليهم ظاهر هذا الكلام أن هذا حدث بعد نبوة نبينا صلى الله عليه و سلم ولم يكن قبلها ولهذا أنكرته الشياطين وارتاعت له وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب حتى قطع بين الشياطين وبين صعود السماء واستراق السمع كما أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا وأنا
(4/167)

لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وقد جاءت أشعار العرب باستغرابهم رميها لكونهم لم يعهدوه قبل النبوة وكان رميها من دلائل النبوة وقال جماعة من العلماء مازالت الشهب منذ كانت الدنيا وهو قول بن عباس والزهرى وغيرهما وقد جاء ذلك في أشعار العرب وروى فيه بن عباس رضى الله عنهما حديثا قيل للزهرى فقد قال الله تعالى فمن يستمع الآن يجدله شهابا رصدا فقال كانت الشهب قليلة فغلظ أمرها وكثرت حين بعث نبينا صلى الله عليه و سلم وقال المفسرون نحو هذا وذكروا أن الرمى بها وحراسة السماء كانت موجودة قبل النبوة ومعلومة ولكن انما كانت تقع عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض أو ارسال رسول إليهم وعليه تأولوا قوله تعالى وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وقيل كانت الشهب قبل مرئية ومعلومة لكن رجم الشياطين واحراقهم لم يكن الابعد نبوة نبينا صلى الله عليه و سلم واختلفوا في إعراب قوله تعالى رجوما وفي معناه فقيل هو مصدر فتكون الكواكب هي الراجمة المحرقة بشهبها لا بأنفسها وقيل هو اسم فتكون هي بأنفسها التي يرجم بها ويكون رجوم جمع رجم بفتح الراء والله اعلم قوله فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها معناه سيروا فيها كلها ومنه قوله صلى الله عليه و سلم لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فان الله
(4/168)

تعالى يمقت على ذلك قوله فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخل هكذا وقع في مسلم بنخل بالخاء المعجمة وصوابه بنخلة بالهاء وهو موضع معروف هناك كذا جاء صوابه في صحيح البخارى ويحتمل انه يقال فيه نخل ونخلة وأما تهامة فبكسر التاء وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز ومكة من تهامة قال بن فارس في المجمل سميت تهامة من التهم بفتح التاء والهاء وهو شدة الحر وركود الريح وقال صاحب المطالع سميت بذلك لتغير هوائها يقال تهم الدهن اذا تغير وذكر الحازمى انه يقال في أرض تهامة تهائم قوله وهو يصلى بأصحابه صلاة الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حال بيننا وبين السماء فيه الجهر بالقراءة في الصبح وفيه اثبات صلاة الجماعة وانها مشروعة في السفر وانها كانت مشروعة من أول النبوة قال الامام أبو عبد الله المازرى ظاهر الحديث أنهم آمنوا عند سماع القرآن ولا بد لمن آمن عند سماعه أن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة وبعد ذلك يقع له العلم بصدق الرسول فيكون الجن علموا ذلك من كتب الرسل المتقدمين قبلهم على أنه هو النبي الصادق المبشر به واتفق العلماء على أن الجن يعذبون في الآخرة على المعاصى قال الله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين واختلفوا في أن مؤمنهم ومطيعهم هل يدخل الجنة وينعم بها ثوابا ومجازاة له على طاعته أم لا يدخلون بل يكون ثوابهم أن ينجوا من النار ثم يقال كونوا ترابا كالبهائم وهذا مذهب بن أبي سليم وجماعة والصحيح أنهم يدخلونها وينعمون فيها بالأكل والشرب وغيرهما وهذا قول الحسن البصري والضحاك ومالك بن أنس وبن أبي ليلى وغيرهم وقوله ( سألت بن مسعود هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة الجن قال لا ) هذا صريح في ابطال الحديث المروي في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور بن مسعود معه صلى الله عليه و سلم ليلة الجن فان هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدثين ومداره على زيد
(4/169)

مولى عمرو بن حريث وهو مجهول قوله ( استطير أو اغتيل ) معنى استطير طارت به الجن ومعنى اغتيل قتل سرا والغيلة بكسر الغين هي القتل في خفية قال الدارقطنى انتهى حديث بن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي وبن علية وبن زريع وبن أبي زائدة وبن ادريس وغيرهم هكذا قاله الدارقطني وغيره ومعنى قوله أنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن بن مسعود بهذا الحديث والا فالشعبي لا يقول هذا الكلام الا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه و سلم والله أعلم قوله ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ) قال بعض العلماء هذا لمؤمنيهم وأما غيرهم فجاء في حديث آخر أن طعامهم مالم يذكر اسم الله
(4/170)

عليه قوله ( وددت اني كنت معه ) فيه الحرص على مصاحبة أهل الفضل في أسفارهم ومهماتهم ومشاهدهم ومجالسهم مطلقا والتأسف على فوات ذلك قوله ( آذنت بهم شجرة ) هذا دليل على أن الله تعالى يجعل فيما يشاء من الجماد تمييزا ونظيره قول الله تعالى وان منها لما يهبط من خشية الله وقوله تعالى وان من شئ الايسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقوله صلى الله عليه و سلم اني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم على وحديث الشجرتين اللتين أتتاه صلى الله عليه و سلم وقد ذكره مسلم في آخر الكتاب وحديث حنين الجذع وتسبيح الطعام وفرار حجر موسى بثوبه ورجعان حراء وأحد والله أعلم