( باب القراءة في العشاء )
 
فيه حديث البراء بن عازب ( ان معاذا رضى الله عنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم
(4/180)

يأتى فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه و سلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا أنافقت إلى آخره ) في هذا الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن معاذا كان يصلى الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيسقط فرضه ثم يصلى مرة ثانية بقومه هي له تطوع ولهم فريضة وقد جاء هكذا مصرحا به في غير مسلم وهذا جائز عند الشافعي رحمه الله تعالى وآخرين ولم يجزه ربيعة ومالك وأبو حنيفة رضي الله عنهم والكوفيون وتأولوا حديث معاذ رضي الله عنه على أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم تنفلا ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي صلى الله عليه و سلم ومنهم من قال حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ وكل هذه التأويلات دعاوي لا أصل لها فلا يترك ظاهر الحديث بها
(4/181)

واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا وإن لم يخرج منها وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها أنه يجوز لعذر ولغير عذر والثاني لا يجوز مطلقا والثالث يجوز لعذر ولا يجوز لغيره وعلى هذا العذر هو ما يسقط به عنه الجماعة ابتداء ويعذر في التخلف عنها بسببه وتطويل القراءة عذر على الأصح لقصة معاذ رضي الله عنه وهذا الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبنى على صلاته بل في الرواية الأولى أنه سلم وقطع الصلاة من أصلها ثم استأنفها وهذا لا دليل فيه للمسألة المذكورة وإنما يدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر والله أعلم قوله ( فافتتح بسورة البقرة ) فيه جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة ونحوها ومنعه بعض السلف وزعم أنه لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها البقرة ونحو هذا وهذا خطأ صريح والصواب جوازه فقد ثبت ذلك في الصحيح في أحاديث كثيرة من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم ويقال سورة بلا همز وبالهمز لغتان ذكرهما بن قتيبة وغيره وترك الهمزة هنا هو المشهور الذي جاء به القرآن العزيز ويقال قرأت السورة وقرأت بالسورة وافتتحتها وافتتحت بها قوله ( إنا أصحاب نواضح ) هي الإبل التي يستقى عليها جمع ناضح وأراد إنا أصحاب عمل وتعب فلا نستطيع تطويل الصلاة قوله صلى الله عليه و سلم ( أفتان أنت يا معاذ ) أي منفر عن الدين وصاد عنه ففيه
(4/182)

الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم يرض المأمومون قوله ( عن جابر أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه و سلم عشاء الآخرة ) فيه جواز قول عشاء الآخرة وقد سبق قريبا بيانه وقول الأصمعي بإنكاره وإبطال قوله والله أعلم قوله ( حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو الربيع الزهراني قال أبو الربيع حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر رضي الله عنه ) قال أبو مسعود الدمشقي قتيبة يقول في حديثه عن حماد عن عمرو ولم يذكر فيه أيوب وكان ينبغي لمسلم أن يبينه وكأنه أهمله لكونه جعل الرواية مسوقة عن أبي الربيع وحده والله أعلم