( باب ما يقول إذا رفع رأسه من اركوع )
 
قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن عبيد بن الحسن عن بن أبي أوفى رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رفع ظهره من الركوع قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض
(4/192)

وملء ما شئت من شيء بعد ) هذا الإسناد كله كوفيون وملء هو بنصب الهمز ورفعها والنصب أشهر وهو الذي اختاره بن خالويه ورجحه واطنب في الاستدلال له وجواز الرفع على أنه مرجوح وحكى عن الزجاج أنه يتعين الرفع ولا يجوز غيره وبالغ في إنكار النصب وقد ذكرت كل ذلك بدلائله مختصرا في تهذيب الأسماء واللغات قال العلماء معناه حمدا لو كان أجساما لملأ السماوات والأرض وفي هذا الحديث فوائد منها استحباب هذا الذكر ومنها وجوب الاعتدال ووجوب الطمأنينة فيه وأنه يستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد أن يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ويجمع بينهما فيكون قوله سمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه وقوله ربنا لك الحمد في حال اعتداله لقوله صلى الله عليه و سلم صلوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري قوله ( سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ) قال العلماء معنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمد الله تعالى متعرضا لثوابه استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له فإنا نقول ربنا لك الحمد لتحصيل ذلك قوله ( حدثنا شعبة عن مجزأة بن زاهر ) هو بميم مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم زاي ثم همزة تكتب ألفا ثم هاء وحكى صاحب المطالع فيه كسر الميم أيضا ورجح الفتح وحكى أيضا ترك الهمز فيه قال وقاله الحياني بالهمز قوله صلى الله عليه و سلم ( اللهم طهرني بالثلج والبرد وماء البارد ) استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب وغيرها وقوله ماء البارد هو من إضافة الموصوف إلى صفته كقوله تعالى بجانب الغربي وقولهم مسجد الجامع وفيه المذهبان السابقان مذهب الكوفيين أنه جائز على ظاهره ومذهب البصريين أن تقديره ماء الطهور البارد وجانب المكان الغربي ومسجد
(4/193)

الموضع الجامع قوله صلى الله عليه و سلم ( اللهم طهرني من الذنوب والخطايا ) يحتمل أن يكون الجمع بينهما كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى ومن يكسب خطيئة أو إثما قال الخطيئة المعصية بين العبد وبين الله تعالى والإثم بينه وبين الآدمي قوله ( كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ ) وفي رواية من الدرن وفي رواية من الدنس كله بمعنى واحد ومعناه اللهم طهرني طهارة كاملة معتنى بها كما يعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ قوله ( أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) أما قوله أهل فمنصوب على النداء هذا هو المشهور وجوز بعضهم رفعه على تقدير أنت أهل الثناء والمختار النصب والثناء والوصف الجميل والمدح والمجد العظمة ونهاية الشرف هذا هو المشهور في الرواية في مسلم وغيره قال القاضي عياض ووقع في رواية بن ماهان أهل الثناء والحمد وله وجه ولكن الصحيح المشهور الأول وقوله احق ما قال العبد وكلنا لك عبد هكذا هو في مسلم وغيره أحق بالألف وكلنا بالواو وأما ما وقع في كتب الفقه حق ما قال العبد كلنا بحذف
(4/194)

الألف والواو فغير معروف من حيث الرواية وإن كان كلاما صحيحا وعلى الرواية المعروفة تقديره أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت إلى آخره واعترض بينهما وكلنا لك عبد ومثل هذا الاعتراض في القرآن قول الله تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون اعترض قوله تعالى وله الحمد في السماوات والأرض ومثله قوله تعالى قالت رب إني وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت على قراءة من قرأ وضعت بفتح العين وإسكان التاء ونظائره كثيرة ومنه قول الشاعر ... ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بني زياد ... وقول الآخر ... ألاهل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن يملك يبقرا ... ونظائره كثيرة وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب للإهتمام به وارتباطه بالكلام السابق وتقديره هنا أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت وكلنا لك عبد فينبغي لنا أن نقوله وقد أوضحت هذه المسألة بشواهدها في آخر صفة الوضوء من شرح المهذب وفي هذا الكلام دليل ظاهر على فضيلة هذا اللفظ فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم الذي لا ينطق عن الهوى ان هذا أحق ما قاله العبد فينبغي ان يحافظ عليه لأن كلنا عبدولا نهمله وإنما كان أحق ما قاله العبد
(4/195)

لما فيه من التفويض إلى الله تعالى والإذعان له والاعتراف بوحدانيته والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا به وأن الخير والشر منه والحث على الزهادة في الدنيا والإقبال على الأعمال الصالحة وقوله ذا الجد المشهور فيه بفتح الجيم هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتاخرون قال بن عبد البر ومنهم من رواه بالكسر وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري هو بالفتح قال وقاله الشيباني بالكسر قال وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل قال ولا يعلم من قاله غيره وضعف الطبري ومن بعده الكسر 2قالوا ومعناه على ضعفه الاجتهاد أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده إنما ينفعه وينجيه رحمتك وقيل المراد ذا الجد والسعي التام في الحرص على الدنيا وقيل معناه الاسراع في الهرب أي لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هربه فإنه في قبضتك وسلطانك والصحيح المشهور الجد بالفتح وهو الحظ والغنى والعظمة والسلطان أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه أي لا ينجيه حظه منك وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح كقوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك والله تعالى أعلم