( باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين )
 
[ 579 ] قوله عن بن الزبير رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار باصبعه وفي رواية أشار بأصبعه السبابة ووضع
(5/79)

ابهامه على اصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته [ 580 ] وفي رواية بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كان اذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ووضع إصبعه اليمنى التي تلى الابهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها وفي رواية عنه ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة هذا الذي ذكره من صفة القعود هو التورك لكن قوله وفرش قدمه اليمنى مشكل لأن السنة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء وقد تظاهرت الاحاديث الصحيحة على ذلك في صحيح البخاري وغيره قال القاضي عياض رضي الله عنه قال الفقيه أبو محمد الخشني صوابه وفرش قدمه اليسرى ثم أنكر القاضي قوله لانه قد ذكر في هذه الرواية ما يفعل باليسرى وأنه جعلها بين فخذه وساقه قال ولعل صوابه ونصب قدمه اليمنى قال وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى ويكون معنى فرشها أنه لم ينصبها على أطراف أصابعه في هذه المرة ولا فتح أصابعها كما كان يفعل في غالب الاحوال هذا كلام القاضي وهذا التأويل الأخير الذي ذكره هو المختار ويكون فعل هذا لبيان الجواز وأن وضع أطراف الاصابع على الأرض وان كان مستحبا يجوز تركه وهذا التأويل له نظائر كثيرة لا سيما في باب الصلاة وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في الصحيح واتفق عليها جميع نسخ مسلم وقد سبق اختلاف العلماء
(5/80)

في أن الافضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش فمذهب مالك وطائفة تفضيل التورك فيهما لهذا الحديث ومذهب أبي حنيفة وطائفة تفضيل الافتراش ومذهب الشافعي رضي الله عنه وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الاخير لحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح البخاري وهو صريح في الفرق بين التشهدين قال الشافعي رحمه الله تعالى والاحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو أحدهما وقد بينه أبو حميد ورفقته ووصفوا الافتراش في الأول والتورك في الاخير وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه والله أعلم وأما قوله ووضع يده اليسرى على ركبته وفي رواية ويلقم كفه اليسرى ركبته فهو دليل على استحباب ذلك وقد أجمع العلماء على استحباب وضعها عند الركبة أو على الركبة وبعضهم يقول بعطف أصابعها على الركبة وهو معنى قوله ويلقم كفه اليسرى ركبته والحكمة في وضعها عند الركبة منعها من العبث وأما قوله ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى فمجمع على استحبابه وقوله أشار بأصبعه السبابة ووضع ابهامه على اصبعه الوسطى وفي الرواية الاخرى وعقد ثلاثا وخمسين هاتان الروايتان محمولتان على حالين ففعل في وقت هذا وفي وقت هذا وقد رام بعضهم الجمع بينهما بأن يكون المراد بقوله على اصبعه الوسطى أي وضعها قريبا من أسفل الوسطى وحينئذ يكون بمعنى العقد ثلاثا وخمسين وأما الاشارة بالمسبحة فمستحبة عندنا للاحاديث الصحيحة قال أصحابنا يشير عند قوله الا الله من الشهادة ويشير بمسبحة اليمنى لا غير فلو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها لا من الاصل باليمنى ولا اليسرى والسنة أن لا يجاوز بصره اشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها
(5/81)

موجهة إلى القبلة وينوي بالاشارة التوحيد والاخلاص والله أعلم واعلم أن قوله عقد ثلاثا وخمسين شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مرادا ها هنا بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين والله أعلم