( باب استحباب التعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم )
 
وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم بين التشهد والتسليم حاصل أحاديث الباب استحباب التعوذ بين التشهد والتسليم من هذه الأمور وفيه اثبات عذاب القبر وفتنته وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة ومعنى فتنة المحيا والممات الحياة والموت واختلفوا في المراد بفتنة الموت فقيل فتنة القبر وقيل يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الاحتضار وأما الجمع بين فتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال وعذاب القبر فهو من باب ذكر الخاص بعد العام ونظائره كثيرة [ 584 ] قوله عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية قالت هل شعرت أنكم تفتنون في القبور فارتاع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال انما تفتن يهود فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
(5/85)

وسلم هل شعرت أنه أوحى إلى أنكم تفتنون في القبور وفي الرواية الاخرى دخلت عجوزان من عجز يهود المدينة وذكرت أن النبي صلى الله عليه و سلم صدقهما هذا محمول على أنهما قضيتان فجرت القضية الأولى ثم أعلم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك ثم جاءت العجوزان بعد ليال فكذبتهما عائشة رضي الله عنها ولم تكن علمت نزول الوحي باثبات عذاب القبر فدخل عليها النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته بقول العجوزين فقال صدقتا وأعلم عائشة رضي الله عنها بأنه كان قد نزل الوحي باثباته وقولها لم أنعم أن أصدقهما أي لم تطب نفسي أن أصدقهما ومنه قولهم في التصديق نعم وهو بضم الهمزة واسكان النون وكسر العين [ 589 ] قوله صلى الله عليه و سلم
(5/86)

اللهم اني أعوذ بك من المأثم والمغرم ومعناه من الاثم والغرم وهو الدين [ 588 ] قوله صلى الله عليه و سلم إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع فيه التصريح باستحبابه في التشهد الاخير والاشارة إلى أنه لا يستحب في الأول وهكذا الحكم لان الأول مبنى على
(5/87)

التخفيف [ 590 ] قوله ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة
(5/88)

من القرآن وان طاوسا رحمه الله تعالى أمر ابنه حين لم يدع بهذا الدعاء فيها باعادة الصلاة هذا كله يدل على تأكيد هذا الدعاء والتعوذ والحث الشديد عليه وظاهر كلام طاوس رحمه الله تعالى أنه حمل الامر به على الوجوب فأوجب اعادة الصلاة لفواته وجمهور العلماء على أنه مستحب ليس بواجب ولعل طاوسا أراد تأديب ابنه وتأكيد هذا الدعاء عنده لا أنه يعتقد وجوبه والله أعلم قال القاضي عياض رحمه الله تعالى ودعاء النبي صلى الله عليه و سلم واستعاذته من هذه الأمور التي قد عوفي منها وعصم انما فعله ليلتزم خوف الله تعالى واعظامه والافتقار إليه ولتقتدي به أمته وليبين لهم صفة الدعاء والمهم منه والله أعلم