( باب استحباب التبكير بالعصر )
 
[ 621 ] قوله كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العوالي والشمس
(5/121)

مرتفعة وفي رواية ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وفي رواية ثم يخرج إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر أما العوالي فهي القرى التي حول المدينة أبعدها على ثمانية أميال من المدينة وأقربها ميلان وبعضها ثلاثة أميال وبه فسرها مالك وأما قباء فتمد وتقصر وتصرف ولا تصرف وتذكر وتؤنث والأفصح فيه الصرف والتذكير والمد وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة قوله والشمس مرتفعة حية قال الخطابي حياتها صفاء لونها قبل أن تصفر أو تتغير وهو مثل قوله بيضاء نقية وقال هو أيضا وغيره حياتها وجود حرها والمراد بهذه الأحاديث وما بعدها المبادرة لصلاة العصر أول وقتها لانه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين وثلاثة والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل الشيء مثله ولا يكاد يحصل هذا الا في الأيام الطويلة وقوله كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر قال العلماء منازل بني عمرو بن عوف على ميلين من المدينة وهذا يدل على المبالغة في تعجيل صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت صلاة بني عمرو في وسط الوقت ولولا هذا لم يكن فيه حجة ولعل تأخير بني عمرو لكونهم كانوا أهل أعمال في حروثهم وزروعهم وحوايطهم فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة بالطهارة وغيرها ثم اجتمعوا لها فتتأخر صلاتهم إلى وسط الوقت لهذا المعنى وفي هذه الاحاديث وما بعدها دليل لمذهب مالك
(5/122)

والشافعي وأحمد وجمهور العلماء أن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله وقال أبو حنيفة لا يدخل حتى يصير ظل الشيء مثليه وهذه الاحاديث حجة للجماعة عليه مع حديث بن عباس رضي الله عنه في بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك [ 622 ] قوله عن العلاء أنه دخل على أنس بن مالك رضي الله عنه في داره حين انصرف من الظهر وداره بجنب المسجد فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر فقلنا له انما انصرفنا الساعة من الظهر قال فصلوا العصر فقمنا فصلينا العصر فلما انصرفنا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا [ 623 ] وفي رواية عن أبي أمامة رضي الله عنه قال صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس فوجدناه
(5/123)

يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي كنا نصلي معه هذان الحديثان صريحان في التبكير بصلاة العصر في أول وقتها وأن وقتها يدخل بمصير ظل الشيء مثله ولهذا كان الآخرون يؤخرون الظهر إلى ذلك الوقت وإنما أخرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنة في تقديمها فلما بلغته صار إلى التقديم ويحتمل أنه آخرها لشغل وعذر عرض له وظاهر الحديث يقتضي التأويل الأول وهذا كان حين ولى عمر بن عبد العزيز المدينة نيابة لا في خلافته لأن أنسا رضي الله عنه توفي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين [ 622 ] قوله صلى الله عليه و سلم تلك صلاة المنافق فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر لقوله صلى الله عليه و سلم يجلس يرقب الشمس قوله صلى الله عليه و سلم بين قرني الشيطان اختلفوا فيه فقيل هو على حقيقته وظاهر لفظه والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له ويخيل لنفسه ولأعوانه أنهم إنما يسجدون له وقيل هو على المجاز والمراد بقرنه وقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وتسلطه وغلبته وأعوانه قال الخطابي هو تمثيل ومعناه أن تأخيرها بتزيين الشيطان ومدافعته لهم عن تعجيلها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه والصحيح الأول قوله صلى الله عليه و سلم فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا تصريح بذم من صلى مسرعا بحيث لا يكمل الخشوع والطمأنينة والأذكار والمراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر [ 624 ] قوله صلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم العصر
(5/124)

فلما انصرفنا أتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله أنا نريد أن ننحر جزورا لنا ونحن نحب أن تحضرها قال نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجدنا الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس هذا تصريح بالمبالغة في التبكير بالعصر وفيه اجابة الدعوة وأن الدعوة للطعام مستحبة في كل وقت سواء أول النهار وآخره والجزور بفتح الجيم لا يكون الا من الابل وبنو سلمة بكسر اللام قوله عن أبي النجاشي هو بفتح النون واسمه عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج رضي الله عنه