( باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها )
 
وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها [ 645 ] قوله ان نساء المؤمنات صورته صورة اضافة الشيء إلى نفسه واختلف في تأويله وتقديره فقيل تقديره نساء الأنفس المؤمنات وقيل نساء الجماعات المؤمنات وقيل ان نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم قوله قوله متلفعات هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات قوله بمروطهن أي بأكسيتهن واحدها
(5/143)

مرط بكسر الميم وفي هذه الاحاديث استحباب التبكير بالصبح وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة الاسفار أفضل وفيها جواز حضور النساء الجماعة في المسجد وهو إذا لم يخش فتنة عليهن أو بهن قوله ما يعرفن من الغلس هو بقايا ظلام الليل قال الداودي معناه ما يعرفن أنساءهن أم رجال وقيل ما يعرف أعيانهن وهذا ضعيف لان المتلفعة
(5/144)

في النهار أيضا لا يعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة قوله وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرفه فيعرفه وفي الرواية الأخرى وكان ينصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض معناهما واحد وهو أنه ينصرف أي يسلم في أول ما يمكن أن يعرف بعضنا وجه من يعرفه مع أنه يقرأ بالستين إلى المائة قراءة مرتلة وهذا ظاهر في شدة التبكير وليس في هذا مخالفة لقوله في النساء ما يعرفن من الغلس لان هذا اخبار عن رؤية جليسه وذاك اخبار عن رؤية النساء من بعد [ 646 ] قوله كان يصلي الظهر بالهاجرة هي شدة الحر نصف النهار عقب الزوال قيل سميت هاجرة من الهجر وهو الترك لان الناس يتركون التصرف حينئذ بشدة الحر ويقيلون وفيه استحباب المبادرة بالصلاة في أول الوقت قوله والشمس نقية أي صافية خالصة لم يدخلها بعد صفرة قوله والمغرب اذا وجبت أي غابت الشمس والوجوب السقوط كما سبق وحذف ذكر الشمس للعلم بها كقوله تعالى حتى توارت
(5/145)

بالحجاب قوله حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سيار بن سلامة قال سمعت أبا برزة هذا الاسناد كله بصريون قوله كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها قال العلماء وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم أو لفوات وقتها المختار والأفضل ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا قال العلماء والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الاصلاح بين الناس والشفاعة اليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والارشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه وقد تقدم كثير منها في هذه الأبواب والباقي مشهور ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد
(5/146)

بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها الا ما كان في خير كما ذكرناه وأما النوم قبلها فكرهه عمر وابنه وبن عباس وغيرهم من السلف ومالك وأصحابنا رضي الله عنهم أجمعين ورخص فيه علي وبن مسعود والكوفيون رضي الله عنهم أجمعين وقال الطحاوي يرخص فيه بشرط أن يكون معه من يوقظه وروى عن بن عمر مثله والله أعلم