( باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها )
 
وأنها فرض كفاية [ 649 ] في رواية أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بخمسة وعشرين جزءا وفي رواية بخمس وعشرين درجة [ 650 ] وفي رواية بسبع وعشرين درجة والجمع بينها من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا منافاة بينها فذكر القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد باطل عند جمهور الأصوليين والثاني أن يكون أخبر أولا بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها الثالث أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس وعشرون ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيآتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك فهذه هي الأجوبة المعتمدة وقد قيل أن الدرجة غير الجزء وهذا غفلة من قائله فان في الصحيحين سبعا وعشرين درجة وخمسا وعشرين درجة فاختلف القدر مع اتحاد لفظ الدرجة والله أعلم واحتج أصحابنا والجمهور بهذه الأحاديث على أن الجماعة ليست بشرط لصحة الصلاة خلافا لداود ولا فرضا على الأعيان خلافا لجماعة من العلماء والمختار أنها فرض كفاية وقيل سنة وبسطت دلائل كل هذا واضحة في شرح المهذب قوله تفضل صلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده بخمسة وعشرين درجة وفي رواية بخمس وعشرين جزءا هكذا هو في الأصول ورواه بعضهم خمسا وعشرين درجة وخمسة وعشرين جزءا هذا
(5/151)

هو الجاري على اللغة والأول مؤول عليه وأنه أراد بالدرجة الجزء وبالجزء الدرجة قوله عطاء بن أبي الخوار هو بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو وقوله ختن زيد بن زبان هو بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة والختن زوج بنت الرجل أو أخته ونحوها قوله صلى الله عليه و سلم
(5/152)

[ 651 ] لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سمينا لشهدها هذا مما استدل به من قال الجماعة فرض عين وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وبن خزيمة وداود وقال الجمهور ليست فرض عين واختلفوا هل هي سنة أم فرض كفاية كما قدمناه وأجابوا عن هذا الحديث بأن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين وسياق الحديث يقتضيه فانه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي مسجده ولأنه لم يحرق بل هم به ثم تركه ولو كانت فرض عين لما تركه قال بعضهم في هذا الحديث دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال لأن تحريق البيوت عقوبة مالية وقال غيره أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة واختلف السلف فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما ومعنى أخالف إلى رجال أي أذهب إليهم ثم انه جاء في
(5/153)

رواية أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء وفي رواية أنها الجمعة وفي رواية يتخلفون عن الصلاة مطلقا وكله صحيح ولا منافاة بين ذلك قوله صلى الله عليه و سلم لأتوهما ولو حبوا الحبو حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه معناه لو يعلمون ما فيهما من الفضل والخير ثم لم يستطيعوا الاتيان إليهما الا حبوا لحبوا اليهما ولم يفوتوا جماعتهما في المسجد ففيه الحث البليغ على حضورهما قوله صلى الله عليه و سلم آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس وإنما هم باتيانهم بعد اقامة الصلاة لأن بذلك الوقت يتحقق مخالفتهم وتخلفهم فيتوجه اللوم عليهم وفيه جواز الانصراف بعد اقامة الصلاة لعذر قوله جعفر بن برقان هو بضم الباء الموحدة
(5/154)

واسكان الراء [ 653 ] قوله أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل أعمى فقال يا رسول الله انه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال هل تسمع النداء بالصلاة فقال نعم قال فأجب هذا الأعمى هو بن أم مكتوم جاء مفسرا في سنن أبي داود وغيره وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقيل لا ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر باجماع المسلمين ودليله من السنة حديث عتبان بن مالك المذكور بعد هذا وأما ترخيص النبي صلى الله عليه و سلم له ثم رده وقوله فأجب فيحتمل أنه بوحي نزل في الحال ويحتمل أنه تغير اجتهاده صلى الله عليه و سلم إذا قلنا بالصحيح وقول الأكثرين أنه يجوز له الاجتهاد ويحتمل أنه رخص له أولا وأراد أنه لا يجب عليك الحضور إما لعذر واما لأن فرض الكفاية حاصل بحضور غيره واما للأمرين ثم ندبه إلى الأفضل فقال الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب والله أعلم
(5/155)

[ 654 ] قوله رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة الا منافق قد علم نفاقه أو مريض هذا دليل ظاهر لصحة ما سبق تأويله في الذين هم بتحريق بيوتهم أنهم كانوا منافقين قوله علمنا سنن الهدى روى بضم السين وفتحها وهما بمعنى متقارب أي طرائق الهدى والصواب قوله ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف معنى يهادى أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما وهو مراده بقوله في الرواية
(5/156)

الأولى ان كان المريض ليمشي بين رجلين وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة وتحمل المشقة في حضورها وأنه اذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها [ 655 ] قوله في الذي خرج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة الا لعذر
(5/157)

والله أعلم [ 657 ] قوله عن جندب بن عبد الله وفي الرواية الأخرى جندب بن سفيان وهو جندب بن عبد الله بن سفيان ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده قوله سمعت جندبا القسري هو بفتح القاف واسكان السين المهملة وقد توقف بعضهم في صحة قولهم القسرى لان جندبا ليس من بني قسر انما هو بجلي علقي وعلقة بطن من بجيلة هكذا ذكره أهل التواريخ والأنساب والأسماء وقسر هو أخو علقة قال القاضي عياض لعل لجندب حلفا في بني قسر أو سكنا أو جوارا فنسب إليهم لذلك أو لعل بني علقة ينسبون إلى عمهم قسر كغير واحدة من القبائل ينسبون بنسبة بني عمهم لكثرتهم أو شهرتهم قوله صلى الله عليه و سلم من صلى الصبح فهو في ذمة الله قيل الذمة هنا الضمان وقيل الامان