كتاب صلاة المسافرين وقصرها
 
كتاب صلاة المسافرين وقصرها [ 685 ] قولها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر اختلف العلماء في القصر في السفر فقال الشافعي ومالك بن أنس وأكثر العلماء يجوز القصر والاتمام والقصر أفضل ولنا قول أن الاتمام أفضل ووجه أنهما سواء والصحيح المشهور أن القصر أفضل وقال أبو حنيفة وكثيرون القصر واجب ولا يجوز الاتمام ويحتجون بهذا الحديث وبأن أكثر فعل النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كان القصر واحتج الشافعي وموافقوه بالاحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض وبأن عثمان كان يتم وكذلك عائشة وغيرها وهو ظاهر قول الله عز و جل فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة وهذا يقتضي رفع الجناح والاباحة وأما حديث فرضت )
(5/194)

الصلاة ركعتين فمعناه فرضت ركعتين لمن أراد الاقتصار عليهما فزيد في صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم وأقرت صلاة السفر على جواز الاقتصار وثبتت دلائل جواز الاتمام فوجب المصير إليها والجمع بين دلائل الشرع قوله فقلت لعروة ما بال عائشة تتم في السفر فقال انها تأولت كما تأول عثمان اختلف العلماء في تأويلهما فالصحيح الذي عليه المحققون أنهما رأيا القصر جائزا والاتمام جائزا فأخذا بأحد الجائزين وهو الاتمام وقيل لان عثمان امام المؤمنين وعائشة أمهم فكانهما في منازلهما وأبطله المحققون بأن النبي صلى الله عليه و سلم كان أولى بذلك منهما وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقيل لان عثمان تأهل بمكة وأبطلوه بأن النبي صلى الله عليه و سلم سافر بأزواجه وقصر وقيل فعل ذلك من أجل الاعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتان أبدا حضرا وسفرا وأبطلوه بأن هذا المعنى كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان أكثر مما كان وقيل لان عثمان نوى الاقامة بمكة بعد الحج وأبطلوه بأن الاقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث وقيل كان لعثمان أرض بمنى وأبطلوه بان ذلك لا يقتضي الاتمام والإقامة والصواب الأول ثم مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر مباح وشرط بعض السلف كونه سفر خوف وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو غزو وبعضهم كونه سفر طاعة قال الشافعي ومالك وأحمد والأكثرون ولا يجوز في سفر المعصية وجوزه أبو حنيفة والثوري ثم قال الشافعي ومالك وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم لا يجوز القصر إلا في مسيرة مرحلتين قاصدتين وهي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربع وعشرون اصبعا معترضة معتدلة والاصبع ست شعيرات معترضات معتدلات وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل وروى عن عثمان وبن مسعود وحذيفة وقال داود وأهل الظاهر يجوز
(5/195)

في السفر الطويل والقصير حتى لو كان ثلاثة أميال قصر [ 686 ] قوله عن عبد الله بن بابيه هو بباء موحدة ثم ألف ثم موحدة أخرى مفتوحة ثم مثناة تحت ويقال فيه بن باباه وبن بابي بكسر الباء الثانية قوله عجبت ما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته هكذا هو في بعض الأصول ما عجبت وفي بعضها عجبت مما عجبت وهو المشهور المعروف وفيه جواز قول تصدق الله علينا واللهم تصدق علينا وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر وقد أوضحته في أواخر كتاب الأذكار وفيه جواز القصر في غير الخوف وفيه أن المفضول اذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه يسأله عنه والله أعلم [ 687 ] قوله عن بن عباس قال فرض الله عز و جل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه و سلم في الحضر
(5/196)

أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن والضحاك واسحق بن راهويه وقال الشافعي ومالك والجمهور ان صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات فان كانت في الحضر وجب أربع ركعات وان كانت في السفر وجب ركعتان ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال وتأولوا حديث بن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه في الخوف وهذا التأويل لا بد منه للجمع بين الأدلة والله أعلم قوله حدثنا أيوب بن عائذ هو بالذال المعجمة [ 689 ] قوله حتى جاء رحله أي منزله قوله فحانت منه
(5/197)

التفاته أي حضرت وحصلت قوله لو كنت مسبحا أتممت صلاتي المسبح هنا المتنفل بالصلاة والسبحة هنا صلاة النفل وقوله لو كنت مسبحا لأتممت معناه لو اخترت التنفل لكان اتمام فريضتي أربعا أحب إلى ولكني لا أرى واحدا منهما بل السنة القصر وترك التنفل ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة الظهر والعصر وغيرها من المكتوبات وأما النوافل المطلقة فقد كان بن عمر يفعلها في السفر وروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يفعلها كما ثبت في مواضع من الصحيح عنه وقد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فكرهها بن عمر وآخرون واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور ودليله الاحاديث المطلقة في ندب الرواتب وحديث صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الضحى يوم الفتح بمكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى طلعت الشمس وأحاديث أخر صحيحة ذكرها أصحاب السنن والقياس على النوافل المطلقة ولعل النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه بن عمر فان النافلة في البيت أفضل أو لعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان اتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم اتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف فالرفق أن تكون مشروعة ويتخير ان شاء فعلها وحصل ثوابها وأن شاء تركها ولا شيء عليه قوله في حديث حفص بن عاصم عن بن عمر ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وذكر مسلم بعد هذا في حديث بن عمر قال ومع عثمان صدرا من خلافته ثم أتمها وفي رواية ثمان سنين أو ست سنين وهذا هو المشهور أن عثمان
(5/198)

أتم بعد ست سنين من خلافته وتأول العلماء هذه الرواية على أن المراد أن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى والروايات المشهورة باتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الإتمام بمنى خاصة وقد فسر عمران بن الحصين في روايته أن اتمام عثمان إنما كان بمنى وكذا ظاهر الأحاديث التي ذكرها مسلم بعد هذا واعلم أن القصر مشروع بعرفات ومزدلفة ومنى للحاج من غير أهل مكة وما قرب منها ولا يجوز لاهل مكة ومن كان دون مسافة القصر هذا مذهب الشافعي وأبى حنيفة والأكثرين وقال مالك يقصر أهل مكة ومنى ومزدلفة وعرفات فعلة القصر عنده في تلك المواضع النسك وعند الجمهور علته السفر والله أعلم قوله [ 690 ] صلى الظهر بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين وبين المدينة وذي الحليفة ستة أميال ويقال سبعة هذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره وقال الجمهور لا يجوز القصر الا في سفر يبلغ مرحلتين وقال أبو حنيفة وطائفة شرطه ثلاث مراحل واعتمدوا في ذلك آثارا عن الصحابة وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه لأهل الظاهر لان المراد
(5/199)

أنه حين سافر صلى الله عليه و سلم إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر فادركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين وليس المراد أن ذا الحليفة كان غاية سفره فلا دلالة فيه قطعا وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه ان كان من أهل الخيام هذا جملة القول فيه وتفصيله مشهور في كتب الفقه هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة الا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال وحكى عن عطاء وجماعة من أصحاب بن مسعود أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل وهذه الروايات كلها منابذة للسنة وإجماع السلف والخلف [ 691 ] قوله يحيى بن يزيد الهنائي هو بضم الهاء وبعدها نون مخففة وبالمد المنسوب إلى هناء بن مالك بن فهم قاله السمعاني قوله ان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين هذا ليس على سبيل الاشتراط وإنما وقع بحسب الحاجة لأن الظاهر من أسفاره صلى الله عليه و سلم أنه ما كان يسافر سفرا طويلا فيخرج عند حضور فريضة مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها وإنما كان يسافر بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر أو نحو ذلك فيصليها حينئذ والأحاديث المطلقة مع ظاهر القرآن متعاضدات على جواز القصر من حين يخرج من البلد فانه حينئذ يسمى مسافرا
(5/200)

والله أعلم [ 692 ] قوله وحدثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين فقلت له فقال رأيت عمر رضي الله عنه صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل هذا الحديث فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض يزيد بن خمير فمن بعده وتقدمت لهذا نظائر كثيرة وسيأتي بيان باقيها في مواضعها ان شاء الله تعالى ويزيد بن خمير بضم الخاء المعجمة ونفير بضم النون وفتح الفاء والسمط بكسر السين واسكان الميم ويقال السمط بفتح السين وكسر الميم وهذا الحديث مما قد يتوهم أنه دليل لأهل الظاهر ولا دلالة فيه بحال لأن الذي فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم وعمر رضي الله عنه إنما هو القصر بذي الحليفة وليس فيه أنها غاية السفر وأما قوله قصر شرحبيل على رأس سبعة عشر ميلا أو ثمانية عشر ميلا فلا حجة فيه لانه تابعي فعل شيئا يخالف الجمهور أو يتأول على أنها كانت في أثناء سفره لا أنها غايته وهذا التأويل ظاهر وبه يصح احتجاجه بفعل عمر ونقله ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم والله أعلم قوله أتى أرضا يقال لها دومين من حمص على رأس ثمانية عشر ميلا هي بضم الدال وفتحها وجهان مشهوران والواو ساكنة
(5/201)

والميم مكسورة وحمص لا ينصرف وان كانت اسما ثلاثيا ساكن الاوسط لانها عجمية اجتمع فيها العجمة والعلمية والتأنيث كماه وجور ونظائرهما [ 693 ] قوله خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع قلت كم أقام بمكة قال عشرا هذا معناه أنه أقام في مكة وما حواليها لا في نفس مكة فقط والمراد في سفره صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع فقدم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع وخرج منها في الثامن إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع وعاد إلى منى في العاشر فأقام بها الحادي عشر والثاني عشر ونفر في الثالث عشر إلى مكة وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر فمدة اقامته صلى الله عليه و سلم في مكة وحواليها عشرة أيام وكان يقصر الصلاة فيها كلها ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامة دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر وأن الثلاثة ليست إقامة لان النبي صلى الله عليه و سلم أقام هو والمهاجرون ثلاثا بمكة فدل على أن الثلاثة ليست إقامة شرعية
(5/202)

وأن يومي الدخول والخروج لا يحسبان منها وبهذه الجملة قال الشافعي وجمهور العلماء وفيها خلاف منتشر للسلف [ 694 ] قوله بمنى وغيره هكذا هو في الأصول وغيره وهو صحيح لأن منى تذكر وتؤنث بحسب القصد ان قصد الموضع فمذكر أو البقعة فمؤنثة وإذا ذكر صرف وكتب بالألف وان أنث لم يصرف وكتب بالياء والمختار تذكيره وتنوينه وسمى منى لما يمنى به من الدماء أي يراق قوله خبيب بن عبد الرحمن هو بالخاء المعجمة المضمومة وسبق بيانه في
(5/203)

أول الكتاب وغيره [ 695 ] قوله فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان معناه ليت عثمان صلى ركعتين بدل الأربع كما كان النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم أجمعين في صدر خلافته يفعلون ومقصوده كراهة مخالفة ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحباه ومع هذا فابن مسعود رضي الله عنه موافق على جواز الاتمام ولهذا كان يصلي وراء عثمان رضي الله عنه متما ولو كان القصر عنده واجبا لما استجاز تركه وراء أحد وأما قوله فذكر
(5/204)

ذلك لابن مسعود رضي الله عنه فاسترجع فمعناه كراهة المخالفة في الأفضل كما سبق قوله قال مسلم رحمه الله تعالى حارثة بن وهب الخزاعي هو أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه هكذا ضبطناه أخو عبيد الله بضم العين مصغر ووقع في بعض الأصول أخو عبد الله بفتح العين مكبر وهو خطأ والصواب الأول وكذا نقله القاضي رحمه الله تعالى عن أكثر رواة صحيح مسلم وكذا ذكره البخاري في تاريخه وبن أبي حاتم وبن عبدالبر وخلائق لا يحصون كلهم يقولون بأنه أخو عبيد الله مصغر وأمه مليكة بنت جرول الخزاعي تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأولدها ابنه عبيد الله وأما عبد الله بن عمر وأخته حفصة فأمهما زينب بنت مظعون