( باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان )
 
وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست والحث على المحافظة عليها [ 717 ] [ 718 ] في الباب عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي الضحى إلا أن يجيء من مغيبه وأنها
(5/228)

ما رأته صلى الله عليه و سلم يصلي سبحة الضحى قط قالت وإني لأسبحها وان كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم وفي رواية عنها أنه صلى الله عليه و سلم كان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء وفي رواية ما شاء الله وفي حديث أم هانئ أنه صلى الله عليه و سلم صلى ثمان ركعات وفي حديث أبي ذر وأبي هريرة وأبي الدرداء ركعتان هذه الأحاديث كلها متفقة لا اختلاف بينها عند أهل التحقيق
(5/229)

وحاصلها أن الضحى سنة مؤكدة وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وبينهما أربع أو ست كلاهما أكمل من ركعتين ودون ثمان وأما الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته صلى الله عليه و سلم الضحى واثباتها فهو أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصليها بعض الأوقات لفضلها ويتركها في بعضها خشية أن تفرض كما ذكرته عائشة ويتأول قولها ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه على أن معناه ما رأيته كما قالت في الرواية الثانية ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي سبحة الضحى وسببه أن النبي صلى الله عليه و سلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات فإنه قد يكون في ذلك مسافرا وقد يكون حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها ما رأيته يصليها وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها أو يقال قولها ما كان يصليها أي ما يداوم عليها فيكون نفيا للمداومة لا لأصلها والله أعلم وأما ما صح عن بن عمر أنه قال في الضحى هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم أو يقال قوله بدعة أي المواظبة عليها لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض وهذا في حقه صلى الله عليه و سلم وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبي الدرداء وأبي ذر أو يقال أن بن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه و سلم الضحى وأمره بها وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى وإنما نقل التوقف فيها عن بن مسعود وبن عمر والله أعلم [ 718 ] قوله سبحة الضحى بضم السين أي نافلة الضحى قولها ليدع العمل وهو يحب أن يعمل ضبطناه بفتح الياء أي يعمله وفيه بيان كمال شفقته صلى الله عليه و سلم ورأفته بأمته وفيه أنه إذا تعارضت مصالح قدم أهمها قوله يزيد الرشك بكسر الراء واسكان الشين المعجمة قد تقدم بيانه مرات قوله أم هانئ هو بهمزة بعد النون
(5/230)

كنيت بابنها هانئ واسمها فاختة على المشهور وقيل هند قوله سألت وحرصت هو بفتح الراء على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة بكسرها قوله أن أبا مرة مولى أم هانئ وفي رواية مولى عقيل بن أبي طالب قال العلماء هو مولى أم هانئ حقيقة ويضاف إلى عقيل مجازا للزومه إياه وانتمائه إليه لكونه مولى أخته قولها سلمت فيه سلام المرأة التي ليست بمحرم على الرجل بحضرة محارمه قولها فقال من هذه قلت أم هانئ بنت أبي طالب فيه أنه لا بأس أن يكنى الإنسان نفسه على سبيل التعريف إذا اشتهر بالكنية وفيه أنه إذا استأذن أن يقول المستأذن عليه من هذا فيقول المستأذن فلان باسمه الذي يعرفه به المخاطب قوله صلى الله عليه و سلم مرحبا بأم هانئ فيه استحباب قول الإنسان لزائره والوارد عليه مرحبا ونحوه من ألفاظ الاكرام والملاطفة ومعنى مرحبا صادفت رحبا أي سعة وسبق بسط الكلام فيه في حديث وفد عبد القيس وفيه أنه لا بأس بالكلام في حال الاغتسال والوضوء ولا بالسلام عليه بخلاف
(5/231)

البائل وفيه جواز الاغتسال بحضرة امرأة من محارمه إذا كان مستور العورة عنها وجواز تستيرها إياه بثوب ونحوه قوله فصلى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فيه جواز الصلاة في الثوب الواحد والالتحاف به مخالفا بين طرفيه كما ذكره في الرواية الثانية قولها فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم بن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ في هذه القطعة فوائد منها أن من قصد انسانا لحاجة ومطلوب فوجده مشتغلا بطهارة ونحوها لم يقطعها عليه حتى يفرغ ثم يسأل حاجته إلا أن يخاف فوتها وقولها زعم معناه هنا ذكر أمرا لا أعتقد موافقته فيه وإنما قالت بن أمي مع أنه بن أمها وأبيها لتأكيد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن واحد وكثرة ملازمة الام وهو موافق لقول هارون صلى الله عليه و سلم يا بن أم لا تأخذ بلحيتي واستدل بعض أصحابنا وجمهور العلماء بهذا الحديث على صحة أمان المرأة قالوا وتقدير الحديث حكم الشرع صحة جواز من أجرت وقال بعضهم لا حجة فيه لأنه محتمل لهذا ومحتمل لابتداء الأمان ومثل هذا الخلاف اختلافهم في قوله صلى الله عليه و سلم من قتل قتيلا فله سلبه هل معناه أن هذا حكم الشرع في جميع الحروب إلى يوم القيامة أم هو إباحة رآها الإمام في تلك المرة بعينها فإذا رآها الإمام اليوم عمل بها وإلا فلا وبالأول قال الشافعي وآخرون وبالثاني أبو حنيفة ومالك ويحتج للأكثرين بأن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينكر عليها الأمان ولا بين فساده ولو كان فاسدا لبينه لئلا يغتر به وقولها فلان بن هبيرة وجاء في غير مسلم فر إلى رجلان من احماي وروينا في كتاب الزبير بن بكار أن فلان بن هبيرة هو الحارث بن هشام المخزومي وقال آخرون هو عبد الله بن أبي ربيعة وفي تاريخ مكة للازرقي أنها أجارت رجلين أحدهما عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة والثاني الحارث بن هشام بن المغيرة وهما من بني مخزوم وهذا الذي ذكره الازرقي يوضح الاسمين ويجمع بين الأقوال في ذلك
(5/232)

قولها وذلك ضحى استدل به أصحابنا وجماهير العلماء على استحباب جعل الضحى ثمان ركعات وتوقف فيه القاضي وغيره ومنعوا دلالته قالوا لأنها إنما أخبرت عن وقت صلاته لا عن نيتها فلعلها كانت صلاة شكر الله تعالى على الفتح وهذا الذي قالوه فاسد بل الصواب صحة الاستدلال به فقد ثبت عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثمان ركعات يسلم من كل ركعتين رواه أبو داود في سننه بهذا اللفظ باسناد صحيح على شرط البخاري [ 720 ] قوله عن يحيى بن عقيل بضم العين قوله عن أبي الأسود الدؤلي في ضبطه خلاف وكلام طويل سبق مبسوطا في كتاب الإيمان قوله صلى الله عليه و سلم على كل سلامى من أحدكم صدقة هو بضم السين وتخفيف اللام وأصله عظام الأصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله وسيأتي في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل على كل مفصل صدقة قوله صلى الله عليه و سلم ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ضبطناه ويجزي
(5/233)

بفتح أوله وضمه فالضم من الاجزاء والفتح من جزى يجزئ أي كفى ومنه قوله تعالى لا تجزى نفس وفي الحديث لا يجزى عن أحد بعدك وفيه دليل على عظم فضل الضحى وكبير موقعها وأنها تصح ركعتين [ 721 ] قوله أوصاني خليلي لا يخالف قوله صلى الله عليه و سلم لو كنت متخذا من أمتي خليلا لأن الممتنع أن يتخذ النبي صلى الله عليه و سلم غيره خليلا ولا يمتنع اتخاذ الصحابي وغيره النبي صلى الله عليه و سلم خليلا وفي هذا الحديث وحديث أبي الدرداء الحث على الضحى وصحتها ركعتين والحث على صوم ثلاثة ايام من كل شهر وعلى الوتر وتقديمه على النوم لمن خاف أن لا يستيقظ آخر الليل وعلى هذا يتأول هذان الحديثان لما ذكره مسلم بعد هذا كما سنوضحه في موضعه ان شاء الله تعالى قوله عن ابي شمر بفتح الشين وكسر الميم ويقال بكسر الشين واسكان الميم وهو معدود فيمن لا يعرف اسمه وإنما يعرف بكنيته قوله عبد الله الداناج هو بالدال المهملة والنون والجيم وهو العالم وسبق بيانه
(5/234)

قوله عبد الله بن حنين هو بالنون بعد الحاء