( باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره )
 
والأمر بالاقتصاد في العبادة وهو أن يأخذ منها ما يطيق الدوام عليه وأمر من كان في صلاة فتركها ولحقه ملل ونحوه بأن يتركها حتى يزول ذلك [ 782 ] قوله ص عليكم من الأعمال ما تطيقون أي تطيقون الدوام عليه
(6/70)

بلا ضرر وفيه دليل على الحث على الاقتصاد في العبادة واجتناب التعمق وليس الحديث مختصا بالصلاة بل هو عام في جميع أعمال البر قوله صلى الله عليه و سلم فإن الله لا يمل حتى تملوا هو بفتح الميم فيهما وفي الرواية الأخرى لا يسأم حتى تسأموا وهما بمعنى قال العلماء الملل والسآمة بالمعنى المتعارف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويل الحديث قال المحققون معناه لا يعاملكم معاملة المال فيقطع عنكم ثوابه وجزاءه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم وقيل معناه لا يمل إذا مللتم وقاله بن قتيبة وغيره وحكاه الخطابي وغيره وأنشدوا فيه شعرا قالوا ومثاله قولهم في البليغ فلان لا ينقطع حتى يقطع خصومه معناه لا ينقطع إذا انقطع خصومه ولو كان معناه ينقطع إذا انقطع خصومه لم يكن له فضل على غيره وفي هذا الحديث كمال شفقته صلى الله عليه و سلم ورأفته بأمته لأنه أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر فتكون النفس أنشط والقلب منشرحا فتتم العبادة بخلاف من تعاطى من الأعمال ما يشق فإنه بصدد أن يتركه أو بعضه أو يفعله بكلفة وبغير انشراح القلب فيفوته خير عظيم وقد ذم الله سبحانه وتعالى من اعتاد عبادة ثم أفرط فقال تعالى ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وقد ندم عبد الله بن عمرو بن العاص على تركه قبول رخصة رسول الله صلى الله عليه و سلم في تخفيف العبادة ومجانبة التشديد قوله صلى الله عليه و سلم وان أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وان قل هكذا ضبطناه دووم عليه وكذا هو في معظم النسخ دووم بواوين ووقع في بعضها دوم بواو واحدة والصواب الأول وفيه الحث على المداومة على العمل وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع وإنما كان القليل الدائم خيرا من الكثير المنقطع لان بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والاخلاص والاقبال على الخالق سبحانه وتعالى ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة
(6/71)

قوله وكان آل محمد صلى الله عليه و سلم إذا عملوا عملا أثبتوه أي لازموه وداوموا عليه والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه و سلم من أزواجه وقرابته ونحوهم [ 783 ] قولها كان عمله ديمة هو بكسر الدال واسكان الياء أي يدوم عليه ولا يقطعه قوله في الحبل الممدود بين ساريتين
(6/72)

لزينب تصلي [ 784 ] فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال حلوه يصلي أحدكم نشاطه كسلت بكسر السين وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة والنهي عن التعمق والأمر بالإقبال عليها بنشاط وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور وفيه إزالة المنكر باليد لمن تمكن منه وفيه جواز التنفل في المسجد فإنها كانت تصلي النافلة فيه فلم ينكر عليها [ 785 ] قوله الحولاء بنت تويت هو بتاء مثناة فوق في أوله وآخره قوله وزعموا أنها لا تنام الليل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون أراد صلى الله عليه و سلم بقوله لا تنام الليل الانكار عليها وكراهة فعلها وتشديدها على نفسها ويوضحه أن في موطأ مالك قال في هذا الحديث وكره ذلك حتى عرفت الكراهة في وجهه وفي هذا دليل لمذهبنا ومذهب جماعة أو الأكثرين أن صلاة جميع الليل مكروهة وعن جماعة من السلف أنه لا بأس به وهو رواية عن مالك إذا لم ينم عن الصبح
(6/73)