( باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها )
 
[ 788 ] قوله سمع النبي صلى الله عليه و سلم رجلا يقرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا وفي رواية كان النبي صلى الله عليه و سلم يستمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها وفي الحديث الذي بعد هذا
(6/75)

[ 790 ] بئسما لأحدهم يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي في هذه الألفاظ فوائد منها جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل وفي المسجد ولا كراهة فيه إذا لم يؤذ أحدا ولا تعرض للرياء والإعجاب ونحو ذلك وفيه الدعاء لمن أصاب الإنسان من جهته خيرا وان لم يقصده ذلك الإنسان وفيه أن الاستماع للقراءة سنة وفيه جواز قول سورة كذا كسورة البقرة ونحوها ولا التفات إلى من خالف في ذلك فقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على استعماله وفيه كراهة قول نسيت آية كذا وهي كراهة تنزيه وأنه لا يكره قول أنسيتها وإنما نهى عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها والتغافل عنها وقد قال الله تعالى أتتك آياتنا فنسيتها وقال القاضي عياض أولى ما يتأول عليه الحديث أن معناه ذم الحال لا ذم القول أي نسيت الحالة حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه وقوله ص بل هو نسي ضبطناه بتشديد السين وقال القاضي ضبطناه بالتشديد والتخفيف قوله صلى الله عليه و سلم كنت إنسيتها دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه و سلم فيما قد بلغه إلى الأمة وقد تقدم في باب سجود السهو الكلام فيما يجوز من السهو عليه صلى الله عليه و سلم وما لا يجوز قال القاضي عياض رحمه الله جمهور المحققين جواز النسيان عليه صلى الله عليه و سلم ابتداء فيما ليس
(6/76)

طريقه البلاغ وأختلفوا فيما طريقة البلاغ والتعليم ولكن من جوز قال لا يقر عليه بل لابد أن يتذكره أو يذكره واختلفوا هل من شروط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته صلى الله عليه و سلم قال وأما نسيان ما بلغه في هذا الحديث فيجوز قال وقد سبق بيان سهوه في الصلاة قال وقال بعض الصوفية ومتابعيهم لا يجوز السهو عليه أصلا في شيء وإنما يقع منه صورته ليس إلا وهذا تناقض مردود ولم يقل بهذا أحد ممن يقتدى به إلا الأستاذ أبو الظفر الاسفرايني من شيوخنا فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض قوله صلى الله عليه و سلم [ 789 ] إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إلى آخره فيه الحث على تعاهد القرآن وتلاوته والحذر من تعريضه للنسيان قال القاضي ومعنى صاحب القرآن أي الذي ألفه والمصاحبة المؤالفة ومنه فلان صاحب فلان وأصحاب الجنة وأصحاب النار وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وأصحاب الصفة وأصحاب ابل وغنم وصاحب كنز وصاحب عبادة قوله صلى الله عليه و سلم آية كيت وكيت أي آية كذا وكذا وهو بفتح التاء على المشهور وحكى الجوهري فتحها وكسرها عن أبي عبيدة قوله استذكروا القرآن فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها قال أهل اللغة التفصي الانفصال وهو بمعنى الرواية الأخرى أشد تفلتا النعم أصلها الابل والبقر والغنم والمراد هنا الابل خاصة لأنها التي تعقل والعقل بضم العين والقاف ويجوز اسكان القاف وهو كنظائره وهو جمع عقال ككتاب وكتب والنعم تذكر وتؤنث ووقع في هذه الروايات بعقلها وفي الرواية الثانية من عقله وفي الثالثة في عقلها وكله صحيح والمراد برواية الباء من كما في قول الله تعالى عينا يشرب بها عباد الله على أحد القولين في معناها قوله في هذه الرواية عقله بتذكير النعم وهو صحيح كما ذكرناه
(6/77)