( باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن )
 
[ 792 ] قوله صلى الله عليه و سلم ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن هو بكسر الذال قال العلماء معنى أذن في اللغة الاستماع ومنه قوله تعالى وأذنت لربها قالوا ولا يجوز أن تحمل هنا على الاستماع بمعنى الاصغاء فإنه يستحيل على الله تعالى بل هو مجاز ومعناه الكناية عن تقريبه القارئ واجزال ثوابه لأن سماع الله تعالى لا يختلف فوجب تأويله وقوله يتغنى بالقرآن معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء من الطوائف وأصحاب الفنون يحسن صوته به وعند سفيان بن عيينة يستغني به قيل يستغني به عن الناس وقيل عن غيره من الأحاديث والكتب قال القاضي عياض القولان منقولان عن بن عيينة قال يقال تغنيت وتغانيت بمعنى
(6/78)

استغنيت وقال الشافعي وموافقوه معناه تحزين القراءة وترقيقها واستدلوا بالحديث الآخر زينوا القرآن بأصواتكم قال الهروي معنى يتغنى به يجهر به وأنكر أبو جعفر الطبري تفسير من قال يستغني به وخطأه من حيث اللغة والمعنى والخلاف جار في الحديث الآخر ليس منا من لم يتغن بالقرآن والصحيح أنه من تحسين الصوت ويؤيده الرواية الأخرى يتغنى بالقرآن يجهر به قوله في رواية حرملة كما يأذن لنبي هو بفتح الذال قوله حدثنا هقل بكسر الهاء واسكان القاف قوله كأذنه هو بفتح الهمزة والذال وهو مصدر أذن يأذن أذنا كفرح يفرح فرحا قوله غير أن بن أيوب قال في روايته كاذنه هكذا هو في رواية بن أيوب بكسر
(6/79)

الهمزة واسكان الذال قال القاضي هو على هذه الرواية بمعنى الحث على ذلك والأمر به [ 793 ] قوله ص في أبي موسى الأشعري أعطى مزمارا من مزامير آل داود قال العلماء المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن وأصل الزمر الغناء وآل داود هو داود نفسه وأل فلان قد يطلق على نفسه وكان داود صلى الله عليه و سلم حسن الصوت جدا قوله صلى الله عليه و سلم لأبي موسى لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود وفي الحديث الذي بعده أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ ورجع في قراءته قال القاضي أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقراءة وترتيلها قال أبو عبيد والأحاديث الواردة في ذلك محمولة على التحزين والتشويق قال واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأبحاهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية واقبال النفوس على إستماعه قلت قال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس له فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وادغام ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم
(6/80)