كتاب صلاة العيدين
 
( كتاب صلاة العيدين هي عند الشافعي وجمهور أصحابه وجماهير العلماء سنة مؤكدة وقال أبو سعيد الاصطخري من الشافعية هي فرض كفاية وقال أبو حنيفة هي واجبة فإذا قلنا فرض كفاية فامتنع أهل موضع من اقامتها قوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية وإذا قلنا إنها سنة لم يقاتلوا بتركها كسنة الظهر وغيرها وقيل يقاتلون لأنها شعار ظاهر قالوا وسمى عيدا لعوده وتكرره وقيل لعود السرور فيه وقيل تفاؤلا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة حين خروجها تفاؤلا لقفولها سالمة وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة [ 884 ] قوله شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب فيه دليل لمذهب العلماء كافة أن خطبة العيد بعد الصلاة قال القاضي هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار وأئمة )
(6/171)

الفتوى ولا خلاف بين أئمتهم فيه وهو فعل النبي صلى الله عليه و سلم والخلفاء الراشدين بعده إلا ما روى أن عثمان في شطر خلافته الأخير قدم الخطبة لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة وروى مثله عن عمر وليس بصحيح وقيل ان أول من قدمها معاوية وقيل مروان بالمدينة في خلافة معاوية وقيل زياد بالبصرة في خلافة معاوية وقيل فعله بن الزهري في آخر أيامه قوله يجلس الرجال بيده هو بكسر اللام المشددة أي يامرهم بالجلوس قوله فقالت امرأة واحدة لم يجبه غيرها منهن يا نبي الله لا يدري حينئذ من هي هكذا وقع في جميع نسخ مسلم حينئذ وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ قال هو وغيره وهو تصحيف وصوابه لا يدري حسن من هي وهو حسن بن مسلم رواية عن طاوس عن بن عباس ووقع في البخاري على الصواب من رواية إسحاق نصر عن عبد الرزاق لا يدري حسن قلت ويحتمل تصحيح حينئذ ويكون معناه لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي قوله فنزل النبي صلى الله عليه و سلم حتى جاء النساء ومعه بلال قال القاضي هذا النزول كان في أثناء الخطبة وليس كما قال إنما نزل إليهن بعد فراغ خطبة العيد وبعد انقضاء وعظ الرجال وقد ذكره مسلم صريحا في حديث جابر قال فصلى ثم خطب الناس فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن فهذا صريح في أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء وتذكيرهن الآخرة وأحكام الاسلام وحثهن على الصدقة وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما وفيه أن النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم يكن بمعزل عنهم خوفا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه وفيه أن صدقة التطوع لا تفتقر إلى
(6/172)

إيجاب وقبول بل تكفي فيها المعاطاة لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال من غير كلام منهن ولا من بلال ولا من غيره وهذا هو الصحيح في مذهبنا وقال أكثر أصحابنا العراقيين تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة والصحيح الأول وبه جزم المحققون قوله فدى لكن أبي وأمي هو مقصور بكسر الفاء وفتحها والظاهر أنه من كلام بلال قوله فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال هو بفتح الفاء والتاء المثناة فوق وبالخاء المعجمة واحدها فتخة كقصبة وقصب واختلف في تفسيرها ففي صحيح البخاري عن عبد الرزاق قال هي الخواتيم العظام وقال الاصمعي هي خواتيم لا فصوص لها وقال بن السكيت خواتيم تلبس في أصابع اليد وقال ثعلب وقد يكون في أصابع الواحد من الرجال وقال بن دريد وقد يكون لها فصوص وتجمع أيضا فتخات وأفتاخ والخواتيم جمع خاتم وفيه أربع لغات فتح التاء وكسرها وخانام وخيتام وفي هذا الحديث جواز صدقة المرأة من مالها بغير اذن زوجها ولا يتوقف ذلك على ثلث مالها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال مالك لا يجوز الزيادة على ثلث مالها الا برضاء زوجها ودليلنا من الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسألهن استأذن أزواجهن في ذلك أم لا وهل هو خارج من الثلث أم لا ولو اختلف الحكم بذلك لسأل وأشار القاضي إلى الجواب عن مذهبهم بأن الغالب حضور أزواجهن فتركهم الانكار يكون رضاء بفعلهن وهذا الجواب ضعيف أو باطل لانهن كن معتزلات لا يعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها ولا قدر ما يتصدق به ولو علموا فسكوتهم ليس اذنا قوله وبلال قائل بثوبه هو بهمزة قبل اللام
(6/173)

يكتب بالياء أي فاتحا ثوبه للأخذ فيه وفي الرواية الأخرى وبلال باسط ثوبه معناه أنه بسطه ليجمع الصدقة فيه ثم يفرقها النبي صلى الله عليه و سلم على المحتاجين كما كانت عادته صلى الله عليه و سلم في الصدقات المتطوع بها والزكوات وفيه دليل على أن الصدقات العامة أنما يصرفها في مصارفها الإمام [ 885 ] قوله يلقين النساء صدقة هكذا هو في النسخ يلقين وهو جائز على تلك اللغة القليلة الاستعمال منها يتعاقبون فيكم ملائكة وقوله أكلوني البراغيث قوله تلقى المرأة فتخها ويلقين ويلقين هكذا هو في النسخ مكرر وهو صحيح ومعناه ويلقين كذا ويلقين كذا كما ذكره في باقي الروايات قوله لعطاء أحقا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن قال أي لعمري ان ذلك لحق وما لهم لا يفعلون ذلك قال القاضي هذا الذي قاله عطاء غير موافق عليه وليس كما قال القاضي بل يستحب إذا لم يسمعهن أن يأتيهن بعد فراغه ويعظهن ويذكرهن إذا لم يترتب الآن وفي كل الأزمان بالشروط المذكورة وأي دافع يدفعنا عن هذه
(6/174)

السنة الصحيحة والله أعلم قوله فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة هذا دليل على أنه لا أذان ولا إقامة للعيد وهو إجماع العلماء اليوم وهو المعروف من فعل النبي صلى الله عليه و سلم والخلفاء الراشدين ونقل عن بعض السلف فيه شيء خلاف اجماع من قبله وبعده ويستحب أن يقال فيها الصلاة جامعة بنصبها الأول على الاغراء والثاني على الحال قوله فقالت امرأة من سطة النساء هكذا هو في النسخ سطة بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ واسطة النساء قال القاضي معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال وزعم حذاق شيوخنا ان هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه من سفلة النساء وكذا رواه بن أبي شيبة في مسنده والنسائي في سننه وفي رواية لابن أبي شيبة امرأة ليست من علية النساء وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده سفعاء الخدين هذا كلام القاضي وهذا الذي ادعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن قال الجوهري وغيره من أهل اللغة يقال وسطت القوم اسطهم وسطا وسطة أي توسطتهم قوله سفعاء الخدين بفتح السين المهملة أي فيها تغير وسواد قوله صلى الله عليه و سلم تكثرن الشكاء هو بفتح الشين أي الشكوى قوله صلى الله عليه و سلم وتكفرن العشير قال أهل اللغة يقال هو العشير المعاشر والمخالط وحمله الأكثرون هنا على الزوج وقال آخرون هو كل مخالط قال الخليل يقال هو العشير والشعير على القلب ومعنى الحديث أنهن يجحدن الاحسان لضعف عقلهن وقلة معرفتهن فيستدل به على ذم من يجحد احسان ذي احسان
(6/175)

قوله من اقرطتهن هو جمع قرط قال بن دريد كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط سواء كان من ذهب أو خرز وأما الخرص فهو الحلقة الصغيرة من الحلي قال القاضي قيل الصواب قرطتهن بحذف الألف وهو المعروف في جمع قرط كخرج وخرجة ويقال في جمعه قراط كرمح ورماح قال القاضي لا يبعد صحة اقرطة ويكون جمع جمع أي جمع قراط لا سيما وقد صح في الحديث [ 886 ] قوله عن جابر رضي الله عنه لا أذان يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء أو لا شيء هذا ظاهره مخالف لما
(6/176)

يقوله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب أن يقال الصلاة جامعة كما قدمنا فيتأول على أن المراد لا أذان ولا إقامة ولا نداء في معناهما ولا شيء من ذلك [ 889 ] قوله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة هذا دليل لمن قال باستحباب الخروج لصلاة العيد إلى المصلى وأنه أفضل من فعلها في المسجد وعلى هذا عمل الناس في معظم الأمصار وأما أهل مكة فلا يصلونها الا في المسجد من الزمن الأول ولأصحابنا وجهان أحدهما الصحراء أفضل لهذا الحديث والثاني وهو الأصح عند أكثرهم المسجد أفضل إلا أن يضيق قالوا وإنما صلى أهل مكة في المسجد لسعته وإنما خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى المصلى لضيق المسجد فدل على أن المسجد أفضل إذا اتسع قوله فخرجت مخاصرا مروان أي مماشيا له يده في يدي هكذا فسروه قوله فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فيه أن الخطبة للعيد بعد الصلاة
(6/177)

وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان كان المنكر عليه واليا وفيه أن الانكار عليه يكون باليد لمن أمكنه ولا يجزئ عن اليد اللسان مع امكان اليد قوله أين الابتداء بالصلاة هكذا ضبطناه على الأكثر وفي بعض الأصول ألا ابتداء بالا التي هي للاستفتاح وبعدها نون ثم باء موحدة وكلاهما صحيح والأول أجود في هذا الموطن لأنه ساقه للإنكار عليه قوله لا تأتون بخير مما أعلم هو كما قال لأن الذي يعلم هو طريق النبي صلى الله عليه و سلم وكيف يكون غيره خيرا منه قوله ثم انصرف قال القاضي عن جهة المنبر إلى جهة الصلاة وليس معناه أنه انصرف من المصلى وترك الصلاة معه بل في رواية البخاري أنه صلى معه وكلمه في ذلك بعد الصلاة وهذا يدل على صحة الصلاة بعد الخطبة ولولا صحتها كذلك لما صلاها معه واتفق أصحابنا على أنه لو قدمها على الصلاة صحت ولكنه يكون تاركا للسنة مفوتا للفضيلة بخلاف خطبة الجمعة فإنه يشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتها عليها لأن خطبة الجمعة واجبة وخطبة العيد مندوبة [ 890 ] قولها أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور قال أهل اللغة العواتق جمع عاتق وهي الجارية البالغة وقال بن دريد هي التي قاربت البلوغ قال بن السكيت هي ما بين أن تبلغ إلى أن تعنس ما لم تتزوج والتعنيس طول المقام في بيت أبيها بلا زوج حتى تطعن في السن قالوا سميت عاتقا لأنها عتقت من امتهانها في الخدمة والخروج في الحوائج وقيل قاربت أن تتزوج فتعتق من قهر أبويها وأهلها وتستقل في بيت زوجها والخدور البيوت وقيل الخدر ستر يكون في ناحية البيت وقولها في الرواية الأخرى والمخبأة هي بمعنى ذات الخدر قال أصحابنا يستحب اخراج النساء غير ذوات الهيئات والمستحسنات في العيدين دون غيرهن وأجابوا عن اخراج ذوات الخدور والمخبأة بأن المفسدة في ذلك الزمن كانت مأمونة بخلاف اليوم ولهذا صح عن عائشة رضي الله عنها لو رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني اسرائيل قال القاضي
(6/178)

عياض واختلف السلف في خروجهن للعيدين فرأى جماعة ذلك حقا عليهن منهم أبو بكر وعلي وبن عمر وغيرهم رضي الله عنهم ومنهم من منعهن ذلك منهم عروة والقاسم ويحيى الأنصاري ومالك وأبو يوسف وأجازه أبو حنيفة مرة ومنعه مرة قولها وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين هو بفتح الهمزة والميم في أمر فيه منع الحيض من المصلى واختلف أصحابنا في هذا المنع فقال الجمهور هو منع تنزيه لا تحريم وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولا صلاة وإنما لم يحرم لأنه ليس مسجدا وحكى أبو الفرج الدارمي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه قال يحرم المكث في المصلى على الحائض كما يحرم مكثها في المسجد لأنه موضع للصلاة فأشبه المسجد والصواب الأول قولها في الحيض يكبرن مع النساء فيه جواز ذكر الله تعالى للحائض والجنب وإنما يحرم عليها القرآن وقولها يكبرن مع الناس دليل على استحباب التكبير لكل احد في العيدين وهو مجمع عليه قال أصحابنا يستحب التكبير ليلتي العيدين وحال الخروج إلى الصلاة قال القاضي التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام والتكبير في الصلاة وفي الخطبة وبعد الصلاة أما الأول فاختلفوا فيه فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف فكانوا يكبرون اذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون أصواتهم وقال الأوزاعي ومالك والشافعي وزاد استحبابه ليلة العيدين وقال أبو حنيفة يكبر في الخروج للأضحى دون الفطر وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور وأما التكبير بتكبير الإمام في الخطبة فمالك يراه وغيره يأباه وأما التكبير المشروع في أول صلاة العيد فقال الشافعي هو سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام وقال مالك وأحمد
(6/179)

وأبو ثور كذلك لكن سبع في الأولى احداهن تكبيرة الاحرام وقال الثوري وأبو حنيفة خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الاحرام والقيام وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة وقال عطاء والشافعي وأحمد يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى وروي هذا أيضا عن بن مسعود رضي الله عنه وأما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب هل ابتداؤه من صبح يوم عرفة أو ظهره أو صبح يوم النحر أو ظهره وهل انتهاؤه في ظهر يوم النحر أو ظهر أول أيام النفر أو في صبح أيام التشريق أو ظهره أو عصره واختار مالك والشافعي وجماعة ابتداءه من ظهر يوم النحر وانتهاءه صبح آخر أيام التشريق وللشافعي قوله إلى العصر من آخر أيام التشريق وقول أنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار قولها ويشهدن الخير ودعوة المسلمين فيه استحباب حضور مجامع الخير ودعاء المسلمين وحلق الذكر والعلم ونحو ذلك قوله لا يكون لها جلباب قال النضر بن شميل هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها وقيل هو ثوب واسع دون الرداء تغطى به صدرها وظهرها وقيل هو كالملاءة والملحفة وقيل هو الازار وقيل الخمار قوله صلى الله عليه و سلم لتلبسها أختها من جلبابها الصحيح أن معناه لتلبسها جلبابا لا يحتاج إلى عارية وفيه الحث على حضور العيد لكل أحد وعلى المواساة والتعاون على البر والتقوى [ 884 ] قوله فصلى
(6/180)

ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها فيه أنه لا سنة لصلاة العيد قبلها ولا بعدها واستدل به مالك في أنه يكره الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها وقال الأوزاعي وأبو حنيفة والكوفيون لا يكره بعدها وتكره قبلها ولا حجة في الحديث لمن كرهها لأنه لا يلزم من ترك الصلاة كراهتها والأصل أن لا منع حتى يثبت قوله وتلقى سخابها هو بكسر السين وبالخاء المعجمة وهو قلادة من طيب معجون على هيئة الخرز يكون من مسك أو قرنفل أو غيرهما من الطيب ليس فيه شيء من الجوهر وجمعه سخب ككتاب وكتب [ 891 ] قوله عن عبيد الله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد رضي الله عنه وفي الرواية الأخرى عن عبيد الله عن أبي واقد قال سألني عمر بن الخطاب هكذا هو في جميع النسخ فالرواية الأولى لأم سلمة لأن عبيد الله لم يدرك عمر ولكن الحديث صحيح بلا شك متصل من الرواية الثانية فإنه أدرك أبا واقد بلا شك وسمعه بلا خلاف فلا عتب على مسلم حينئذ في روايته فإنه صحيح متصل والله أعلم قوله عن أبي واقد سألني عمر قالوا يحتمل أن
(6/181)

عمر رضي الله عنه شك في ذلك فاستثبته أو أراد اعلام الناس بذلك أو نحو هذا من المقاصد قالوا ويبعد أن عمر لم يكن يعلم ذلك مع شهوده صلاة العيد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مرات وقربه منه ففيه دليل للشافعي وموافقيه أنه تسن القراءة بهما في العيدين قال العلماء والحكمة في قراءتهما لما اشتملتا عليه من الأخبار بالبعث والاخبار عن القرون الماضية واهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر والله أعلم [ 892 ] قولها وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الانصار يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين أما بعاث فبضم الباء الموحدة وبالعين المهملة ويجوز صرفه وترك صرفه وهو الأشهر وهو يوم جرت فيه بين قبيلتي الانصار الأوس والخزرج في الجاهلية حرب وكان الظهور فيه للأوس قال القاضي قال الأكثرون من أهل اللغة وغيرهم هو بالعين المهملة وقال أبو عبيدة بالغين المعجمة والمشهور المهملة كما قدمناه وقولها وليستا بمغنيتين معناه ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به واختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهي رواية عن مالك وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق ومذهب الشافعي كراهته وهو المشهور من مذهب مالك واحتج المجوزون بهذا الحديث وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح قال القاضي إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا انشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت بالانشاد ولهذا قالت وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى
(6/182)

بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل الغنا فيه الزنى وليستا أيضا ممن اشتهر وعرف باحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا والعرب تسمى الانشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الانشاد والترنم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم وفي هذا كله اباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام ولا يخرج الشاهد قوله أبمزمور الشيطان هو بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر ولم يذكر القاضي غيره ويقال أيضا مزمار بكسر الميم وأصله صوت بصفير والزمير الصوت الحسن ويطلق على الغناء أيضا قوله أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وان لم يكن فيه اثم وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتا على الكبير بل هو أدب ورعاية حرمة واجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه وإنما سكت النبي صلى الله عليه و سلم عنهن لأنه مباح لهن وتسجى بثوبه وحول وجهه اعراضا عن اللهو ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن وكان هذا من رأفته صلى الله عليه و سلم وحلمه وحسن خلقه قوله جاريتان تلعبان بدف هو بضم الدال وفتحها والضم أفصح وأشهر ففيه مع قوله صلى الله عليه و سلم هذا عيدنا أن ضرب دف العرب مباح في يوم السرور الظاهر وهو العيد والعرس
(6/183)

والختان قوله في أيام منى يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق ففيه أن هذه الأيام داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليه في كثير من الأحكام لجواز التضحية وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك قولها رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية وفي الرواية الأخرى يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس البدن وأما نظر المرأة إلى وجه الرجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق وان كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ولقوله صلى الله عليه و سلم لأم سلمة وأم حبيبة احتجبا عنه أي عن بن أم مكتوم فقالتا أنه أعمى لا يبصرنا فقال صلى الله عليه و سلم العمياوان أنتما أليس تبصرانه وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره وقال هو حديث حسن وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين وأقواهما أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وان وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال والثاني لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر وأنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول ان للصغير المراهق النظر والله أعلم وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم
(6/184)

قولها وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة حديثة السن معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبا بليغا وتحرص على ادامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلا بعذر من تطويل وقولها فاقدروا هوا بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره وهو من التقدير أي قدروا رغبتنا في ذلك إلى أن تنتهي وقولها العربة هو بفتح العين وكسر الراء والباء الموحدة ومعناها المشتهية للعب المحبة له قوله صلى الله عليه و سلم دونكم يا بني أرفدة هو بفتح الهمزة واسكان الراء ويقال
(6/185)

بفتح الفاء وكسرها وجهان حكاهما القاضي عياض وغيره والكسر أشهر وهو لقب للحبشة ولفظه دونكم من ألفاظ الاغراء وحذف المغري به تقديره عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه قال الخطابي وغيره وشأنها أن يتقدم الاسم كما في هذا الحديث وقد جاء تأخيرها شاذا كقوله يا أيها المائح دلوى دونكا قوله صلى الله عليه و سلم حسبك هو استفهام بدليل قولها قلت نعم تقديره حسبك أي هل يكفيك هذا القدر قولها جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد هو بفتح الياء واسكان الزاي وكسر الفاء ومعناه يرقصون وحمله العلماء على التوثب بسلاحهم ولعبهم بحرابهم على قريب من هيئة الراقص لأن معظم الروايات إنما فيها لعبهم بحرابهم فيتأول هذه اللفظة على موافقة سائر الروايات قوله عقبة بن مكرم بفتح الراء قوله قال عطاء فرس أو حبش قال وقال بن عتيق بل حبش هكذا هو في كل النسخ ومعناه أن عطاء شك هل قال هم فرس
(6/186)

أو حبش بمعنى هل هم من الفرس أو من الحبشة وأما بن عتيق فجزم بأنهم حبش وهو الصواب قال القاضي عياض وقوله قال بن عتيق هكذا هو عند شيوخنا وعند الباجي وقال لي بن عمير قال وفي نسخة أخرى قال لي بن أبي عتيق [ 893 ] قال صاحب المشارق والمطالع الصحيح بن عمير وهو عبيد بن عمير المذكور في السند والصواب قوله دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأهوى بيده إلى الحصباء يحصبهم الحصباء ممدود هي الحصى الصغار ويحصبهم بكسر الصاد أي يرميهم بها وهو محمول على أن هذا لا يليق بالمسجد وأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعلم به والله أعلم


الموضوع التالي


( كتاب صلاة الاستسقاء

الموضوع السابق


كتاب الجمعة 2