تابع كتاب الجنائز 1
 
قوله عن بن أبي مليكة كنت جالسا إلى جنب بن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان ابنة عثمان وعنده عمرو بن عثمان فجاء بن عباس يقوده قائد فأراه أخبره بمكان بن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما فيه دليل لجواز الجلوس والاجتماع لانتظار الجنازة واستحبابه وأما جلوسه بين بن عمر وبن عباس وهما أفضل بالصحبة والعلم والفضل والصلاح والنسب والسن وغير ذلك مع أن الأدب أن المفضول لا يجلس بين الفاضلين الا لعذر فمحمول على عذر إما لأن ذلك الموضع أرفق بابن عباس واما لغير ذلك قوله عن بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ان الميت ليعذب ببكاء أهله فأرسلها عبد الله مرسلة معناه أن بن عمر أطلق في روايته تعذيب الميت ببكاء الحي ولم يقيده بيهودي كما قيدته عائشة ولا بوصية كما قيده
(6/231)

آخرون ولا قال ببعض بكاء أهله كما رواه أبوه عمر [ 929 ] قوله عن عائشة فقالت لا والله ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم قط ان الميت يعذب ببكاء أحد في هذه جواز الحلف بغلبة الظن بقرائن وان لم يقطع الإنسان وهذا مذهبنا ومن هذا قالوا له الحلف بدين رآه بخط أبيه الميت على فلان إذا ظنه فإن قيل فلعل عائشة لم تحلف على ظن بل على علم وتكون سمعته من النبي صلى الله عليه و سلم في آخر أجزاء حياته قلنا هذا بعيد من وجهين أحدهما أن عمر وبن عمر سمعاه صلى الله عليه و سلم يقول فيعذب ببكاء أهله والثاني لو كان كذلك لاحتجت به عائشة وقالت سمعته في آخر حياته صلى الله عليه و سلم ولم تحتج به إنما
(6/232)

احتجت بالآية والله أعلم [ 932 ] قولها وهل هو بفتح الواو وكسر الهاء وفتحها أي غلط ونسي وأما قولها في انكارها سماع الموتى فسيأتي بسط الكلام فيه في آخر الكتاب حيث ذكر مسلم
(6/234)

أحاديثه [ 934 قوله صلى الله عليه و سلم والاستسقاء بالنجوم قد سبق بيانه في كتاب الإيمان في حديث مطرنا بنوء كذا قوله صلى الله عليه و سلم النائحة إذا لم تتب قبل موتها إلى آخره
(6/235)

فيه دليل على تحريم النياحة وهو مجمع عليه وفيه صحة التوبة ما لم يمت المكلف ولم يصل إلى الغرغرة [ 935 ] قولها أنظر من صائر الباب شق الباب هكذا هو في روايات البخاري ومسلم صائر الباب شق الباب وشق الباب تفسير للصائر وهو بفتح الشين وقال بعضهم لا يقال صائر وإنما يقال صير بكسر الصاد واسكان الياء قوله صلى الله عليه و سلم اذهب فاحث في أفواههن من التراب هو بضم الثاء وكسرها يقال حثا يحثو وحثى يحثى لغتان وأمره صلى الله عليه و سلم بذلك مبالغة في انكار البكاء عليهم ومنعهن منه ثم تأوله بعضهم على أنه كان بكاء بنوح وصياح ولهذا تأكد النهى ولو كان مجرد دمع العين لم ينه عنه لأنه صلى الله عليه و سلم فعله وأخبر أنه ليس بحرام وأنه رحمة وتأوله بعضهم على أنه كان بكاء من غير نياحة ولا صوت قال ويبعد أن الصحابيات يتمادين بعد تكرار نهيهن على محرم وإنما كان بكاء مجردا والنهي عنه تنزيه وأدب لا للتحريم فلهذا أصررن عليه متأولات قوله أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله صلى الله عليه و سلم
(6/236)

وما تركت رسول الله صلى الله عليه و سلم من العناء معناه أنك قاصر لا تقوم بما أمرت به من الإنكار لنقصك وتقصيرك ولا تخبر النبي صلى الله عليه و سلم بقصورك عن ذلك حتى يرسل غيرك ويستريح من العناء والعناء بالمد المشقة والتعب وقولهم أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب وهو اشارة إلى اذلاله واهانته قوله وفي حديث عبد العزيز وما تركت رسول الله صلى الله عليه و سلم من العي هكذا هو معظم نسخ بلادنا هنا العي بكسر العين المهملة أي التعب وهو بمعنى العناء السابق في الرواية الأولى قال القاضي ووقع عند بعضهم الغي بالمعجمة وهو تصحيف قال ووقع عند أكثرهم العناء بالمد وهو الذي نسبه إلى الأكثرين خلاف سياق مسلم لأن مسلما روى الأول العناء ثم روى الرواية الثانية وقال إنها بنحو الأولى إلا في هذا اللفظ فيتعين أن يكون خلافه [ 936 ] قولها أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مع البيعة أن لا ننوح وفي الرواية الأخرى في البيعة فيه تحريم النوح وعظيم قبحه والاهتمام
(6/237)

بانكاره والزجر عنه لأنه مهيج للحزن ورافع للصبر وفيه مخالفة التسليم للقضاء والاذعان لأمر الله تعالى قولها فما وفت منا امرأة الا خمس قال القاضي معناه لم يف ممن بايع مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة الا خمس لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمس قوله عن أم عطية حين نهين عن النياحة فقلت يا رسول الله إلا آل فلان هذا محمول على الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة كما هو ظاهر ولا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح في الحديث وللشارع أن يخص من العموم ما شاء فهذا صواب الحكم في هذا الحديث واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث وقالوا فيه أقوالا عجيبة ومقصودي التحذير من الاغترار بها حتى ان بعض المالكية قال النياحة ليست بحرام بهذا الحديث وقصة نساء جعفر قال وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية كشق الجيوب وخمش الخدود ودعوى الجاهلية والصواب ما ذكرناه أولا وأن النياحة حرام مطلقا وهو مذهب العلماء كافة وليس فيما قاله هذا القائل دليل صحيح لما ذكره والله أعلم
[ 938 ] قوله ( عن أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز ولا يعزم علينا ) معناه نهانا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك نهى كراهة تنزيه لا نهى عزيمة تحريم ومذهب أصحابنا أنه مكروه ليس بحرام لهذا الحديث قال القاضي قال جمهور العلماء بمنعهن من اتباعها وأجازه علماء المدينة وأجازه مالك وكرهه للشابة قوله صلى الله عليه و سلم [ 939 ] ( اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك ) وفي رواية ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو اكثر من ذلك ان رأيتن ذلك وفي رواية اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا وفي رواية اغسلنها وترا خمسا أو أكثر هذه الروايات متفقة في المعنى وان اختلفت ألفاظها والمراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فان احتجتن إلى زيادة عليها للانقاء فليكن خمسا فان احتجتن إلى زيادة الانقاء فليكن سبعا وهكذا أبدا وحاصله أن الايتار مأمور به والثلاث مأمور بها ندبا فان حصل الانقاء بثلاث لم تشرع الرابعة والا زيد حتى يحصل
(7/2)

الانقاء ويندب كونها وترا وأصل غسل الميت فرض كفاية وكذلك حمله وكفنه والصلاة عليه ودفنه كلها فروض كفاية والواجب في الغسل مرة واحدة عامة للبدن هذا مختصر الكلام فيه وقوله صلى الله عليه و سلم ( ان رأيتن ذلك ) بكسر الكاف خطاب لأم عطية ومعناه ان احتجتن وليس معناه التخيير وتفويض ذلك إلى شهوتهن وكانت أم عطية غاسلة للميتات وكانت من فاضلات الصحابيات الضارية واسمها نسيبة بضم النون وقيل بفتحها وأما بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه التي غسلتها فهي زينب رضي الله عنها هكذا قاله الجمهور قال القاضي عياض وقال بعض أهل السير انها أم كلثوم والصواب زينب كما صرح به مسلم في روايته التي بعد هذه قوله صلى الله عليه و سلم ( بماء وسدر ) فيه دليل على استحباب السدر في غسل الميت وهو متفق على استحبابه ويكون في المرة الواجبة وقيل يجوز فيهما قوله صلى الله عليه و سلم ( واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ) فيه استحباب شيء من الكافور في الأخيرة وهو متفق عليه عندنا وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء وقال أبو حنيفة لا يستحب وحجة الجمهور هذا الحديث ولأنه يطيب الميت ويصلب بدنه ويبرده ويمنع اسراع فساده او يتضمن اكرامه قولها ( فألقى الينا حقوه فقال أشعرنها اياه ) هو بكسر الحاء وفتحها لغتان يعنى ازاره وأصل الحقو معقد الازار وجمعه أحق وحقى وسمى به الازار مجازا لأنه يشد فيه ومعنى أشعرنها اياه اجعلنه شعارا لها وهو الثوب الذي يلي الجسد سمى شعارا لانه يلي شعر الجسد والحكمة في اشعارها به تبريكها به ففيه التبرك بآثار الصالحين ولباسهم وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل قولها ( فمشطناها ثلاثة قرون ) أي ثلاث ضفائر جعلنا قرنيها ضفيرتين
(7/3)

وناصيتها ضفيرة كما جاء مبينا في غير هذه الرواية ومشطناها بتخفيف الشين فيه استحباب مشط رأس الميت وضفره وبه قال الشافعي وأحمد واسحاق وقال الأوزاعي والكوفيون لا يستحب المشط ولا الضفر بل يرسل الشعر على جانبيها مفرقا ودليلنا عليه الحديث والظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك واستئذانه فيه كما في باقي صفة غلسها قوله صلى الله عليه و سلم اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك وفي رواية ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك وفي رواية اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا وفي رواية اغسلنها وترا خمسا أو أكثر هذه الروايات متفقة في المعنى وإن اختلفت ألفاظها والمراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجتن إلى زيادة عليها للإنقاء فليكن خمسا فإن احتجتن إلى زيادة الإنقاء فليكن سبعا وهكذا أبدا وحاصله أن الإيتار مأمور به والثلاث مأمور بها ندبا فإن حصل الإنقاء بثلاث لم تشرع الرابعة وإلا زيد حتى يحصل الإنقاء ويندب كونها وترا وأصل غسل الميت فرض كفاية وكذا حمله وكفنه والصلاة عليه ودفنه كلها فروض كفاية والواجب في الغسل مرة واحدة عامة للبدن هذا مختصر الكلام فيه قوله صلى الله عليه و سلم
(7/4)

( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) فيه استحباب تقديم الميامن في غسل الميت وسائر الطهارات ويلحق بها أنواع الفضائل والاحاديث في هذا المعنى كثيرة في الصحيح مشهورة وفيه استحباب وضوء الميت وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال أبو حنيفة لا يستحب ويكون الوضوء عندنا في أول الغسل كما في وضوء الجنب وفي حديث أم عطية هذا دليل لأصح الوجهين عندنا أن النساء أحق بغسل الميتة من زوجها وقد تمنع دلالته حتى يتحقق أن زوج زينب كان حاضرا في وقت وفاتها لا مانع له من غسلها وأنه لم يفوض الأمر إلى النسوة ومذهبنا ومذهب الجمهور أن له غسل زوجته وقال الشعبي والثوري وأبو حنيفة لا يجوز له غسلها وأجمعوا أن لها غسل زوجها واستدل بعضهم بهذا الحديث على أنه لا يجب
(7/5)

الغسل على من غسل ميتا ووجه الدلالة أنه موضع تعليم فلو وجب لعلمه ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يجب الغسل من غسل الميت لكن يستحب قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بوجوبه وأوجب أحمد وإسحاق الوضوء منه والجمهور على استحبابه ولنا وجه شاذ أنه واجب وليس بشيء والحديث المروى فيه من رواية أبي هريرة من غسل ميتا فليغتسل ومن مسه فليتوضأ ضعيف بالاتفاق قوله [ 940 ] ( فوجب أجرنا على الله ) معناه وجوب انجاز وعد بالشرع لا وجوب بالعقل كما تزعمه المعتزله وهو نحو ما في الحديث حق العباد على الله وقد سبق شرحه في كتاب الايمان قوله فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا معناه لم يوسع عليه في الدنيا ولم يعجل له شيء من جزاء عمله قوله ( فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة ) هي كساء وفيه دليل على أن الكفن من رأس المال وأنه مقدم على الديون لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بتكفينه في نمرته ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا ولا يبعد من حال من لا يكون عنده الا نمرة أن يكون عليه دين واستثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال فيقدم على الكفن وذلك كالعبد الجاني والمرهون والمال الذي تعلقت به زكاة أو حق بائعه بالرجوع بافلاس ونحو ذلك قوله صلى الله عليه و سلم ( ضعوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من الاذخر ) هو بكسر الهمزة والخاء وهو حشيش
(7/6)

معروف طيب الرائحة وفيه دليل على أنه اذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس وجعل النقص مما يلي الرجلين ويستر الرأس فان ضاق عن ذلك سترت العورة فان فضل شيء جعل فوقها فان ضاق عن العورة سترت السوأتان لأنهما أهم وهما الأصل في العورة وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن فإن قيل لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله لم يوجد له غيرها فجوابه أن معناه لم يوجد مما يملك الميت الا نمرة ولو كان ستر جميع البدن واجبا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه ان لم يكن له قريب تلزمه نفقته فان كان وجب عليه فان قيل كانوا عاجزين عن ذلك لأن القضية جرت يوم أحد وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك فجوابه أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه أن لا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها والله أعلم قوله ( منا من أينعت له ثمرته ) أي أدركت ونضجت قوله ( فهو يهدبها ) هو بفتح أوله وبضم الدال وكسرها أي يجتنيها يقال ينع الثمر وأينع ينعا وينوعا فهو يانع وهدبها يهدبها اذا جناها وهذا استعارة لما فتح عليهم من الدنيا [ 941 ] قولها ( كفن رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاث أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ) السحولية بفتح السين وضمها والفتح أشهر وهو رواية الأكثرين قال بن الأعرابي وغيره
(7/7)

هي ثياب بيض نقية لا تكون الا من القطن وقال بن قتيبه ثياب بيض ولم يخصها بالقطن وقال آخرون هي منسوبة إلى سحول قرية باليمن تعمل فيها وقال الأزهري السحولية بالفتح منسوبة إلى سحول مدينة باليمن يحمل منها هذه الثياب وبالضم ثياب بيض وقيل ان القرية ايضا بالضم حكاه بن الأثير في النهاية في هذا الحديث وحديث مصعب بن عمير السابق وغيرهما وجوب تكفين الميت وهو اجماع المسلمين ويجب في ماله فان لم يكن له مال فعلى من عليه نفقته فان لم يكن ففي بيت المال فان لم يكن وجب على المسلمين يوزعه الامام على أهل اليسار وعلى ما يراه وفيه أن السنة في الكفن ثلاثة أثواب للرجل وهو مذهبنا ومذهب الجماهير والواجب ثوب واحد كما سبق والمستحب في المرأة خمسة أثواب ويجوز أن يكفن الرجل في خمسة لكن المستحب أن لا يتجاوز الثلاثة وأما الزيادة على خمسة فاسراف في حق الرجل والمرأة قولها ( بيض ) دليل لاستحباب التكفين في الأبيض وهو مجمع عليه وفي الحديث الصحيح في الثياب البيض وكفنوا فيها موتاكم ويكره المصبغات ونحوها من ثياب الزينة وأما الحرير فقال أصحابنا يحرم تكفين الرجل فيه ويجوز تكفين المرأة فيه مع الكراهة وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا قال بن المنذر ولا أحفظ خلافه وقولها ليس فيها قميص ولا عمامة معناه لم يكفن في قميص ولاعمامة وانما كفن في ثلاثة أثواب غيرهما ولم يكن مع الثلاثة شيء آخر هكذا فسره الشافعي وجمهور العلماء وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الحديث قالوا ويستحب أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة وقال مالك وأبو حنيفة يستحب قميص وعمامة وتأولوا الحديث على أن معناه ليس القميص والعمامة من جملة الثلاثة وانما هما زائدان عليهما وهذا ضعيف فلم يثبت أنه صلى الله عليه و سلم كفن في قميص وعمامة وهذا الحديث يتضمن أن القميص الذي غسل فيه النبي صلى الله عليه و سلم نزع عنه عند تكفينه وهذا هو الصواب الذي لا يتجه غيره لأنه لو بقى مع رطوبته لأفسد الأكفان وأما الحديث الذي في سنن أبي داود عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب الحلة ثوبان وقميصه الذي توفى فيه فحديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به لأن يزيد بن أبي زياد أحد رواته مجمع على ضعفه لا سيما وقد خالف بروايته الثقاة قوله ( من كرسف ) هو القطن وفيه دليل على استحباب كفن القطن
(7/8)

قولها ( اما الحلة فانما شبة على الناس فيها ) هو بضم الشين وكسر الباء المشددة ومعناه اشتبه عليهم قال اهل اللغة ولا تكون الحلة الا ثوبين ازارا ورداء قولها ( حلة يمنية كانت لعبد الله بن ابى بكر ) ضبطت هذه اللفظة فى مسلم على ثلاثة اوجه حكاها القاضي وهى موجودة فى النسخ احدها يمنية بفتح اوله منسوبة إلى اليمن والثانى يمانية منسوبة إلى اليمن ايضا والثالث يمنة بضم الياء واسكان الميم وهو اشهر قال القاضي وغيره وهى على هذا مضافة حلة يمنة قال الخليل هي ضرب من برود اليمن قولها ( وكفن فى ثلاثة اثواب سحول يمانية ) هكذا هو في جميع الاصول سحول اما يمانية فبتخفيف الياء على اللغة الفصيحة المشهورة وحكى سيبويه والجوهرى وغيرهما لغة فى تشديدها ووجه الاول ان الالف بدل ياء النسب فلا يجتمعان
(7/9)

بل يقال يمنية أو يمانية بالتخفيف وأما قوله سحول فبضم السين وفتحها والضم أشهر والسحول بضم السين جمع سحل وهو ثوب القطن [ 942 ] قولها ( سجى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات بثوب حبرة ) معناه غطى جميع بدنه والحبرة بكسر الحاء وفتح الباء الموحدة وهي ضرب من برود اليمن وفيه استحباب تسجية الميت وهو مجمع عليه وحكمته صيانته من الانكشاف وستر عورته المتغيرة عن الأعين قال أصحابنا ويلف طرف الثوب المسجى به تحت رأسه وطرفه الآخر تحت رجليه لئلا ينكشف عنه قالوا تكون التسجية بعد نزع ثيابه التي توفى فيها لئلا يتغير بدنه بسببها [ 943 ] قوله ( أن النبي صلى الله عليه و سلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن
(7/10)

في كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر النبي صلى الله عليه و سلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه الا أن يضطر انسان إلى ذلك وقال النبي صلى الله عليه و سلم اذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) قوله غير طائل أي حقير غير كامل الستر وقوله صلى الله عليه و سلم حتى يصلى عليه هو بفتح اللام وأما النهى عن القبر ليلا حتى يصلى عليه فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل الا أفراد وقيل لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءه الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره قال القاضي العلتان صحيحتان قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه و سلم قصدهما معا قال وقد قيل هذا قوله صلى الله عليه و سلم ( الا أن يضطر انسان إلى ذلك ) دليل أنه لا بأس به في وقت الضرورة وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل فكرهه الحسن البصري الا لضرورة وهذا الحديث مما يستدل له به وقال جماهير العلماء من السلف والخلف لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير انكار وبحديث المرأة السوداء والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا وسألهم النبي صلى الله عليه و سلم عنه فقالوا توفي ليلا فدفناه في الليل فقال ألا آذنتموني قالوا كانت ظلمة ولم ينكر عليهم وأجابوا عن هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل وانما نهى لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن اساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق وأما الدفن في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها والصلاة على الميت فيها فاختلف العلماء فيها فقال الشافعي وأصحابه لا يكرهان الا أن يتعمد التأخير إلى ذلك الوقت لغير سبب به قال بن عبد الحكم المالكي وقال مالك لا يصلى عليها بعد الاسفار والاصفرار حتى تطلع الشمس أو تغيب الا أن يخشى عليها وقال أبو حنيفة عند الطلوع والغروب ونصف النهار وكره الليث الصلاة عليها في جميع أوقات النهي وفي الحديث الأمر باحسان الكفن قال العلماء وليس المراد باحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته وانما المراد نظافته ونقاؤه وكثافته وسترة وتوسطه وكونه من جنس لباسه في الحياة غالبا لا أفخر منه ولا أحقر
(7/11)

وقوله ( فليحسن كفنه ) ضبطوه بوجهين فتح الفاء واسكانها وكلاهما صحيح قال القاضي والفتح أصوب وأظهر وأقرب إلى لفظ الحديث [ 944 ]


الموضوع التالي


تابع كتاب الجنائز 2

الموضوع السابق


كتاب الجنائز