( باب زكاة الفطر )
 
[ 984 ] قوله ( ان رسول الله صلى الله عليه و سلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا
(7/57)

من تمر أوصاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين ) اختلف الناس في معنى فرض هنا فقال جمهورهم من السلف والخلف معناه ألزم وأوجب فزكاة الفطر فرض واجب عندهم لدخولها في عموم قوله تعالى وآتوا الزكاة ولقوله فرض وهو غالب في استعمال الشرع بهذا المعنى وقال إسحاق بن راهويه ايجاب زكاة الفطر كالاجماع وقال بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك وبعض أصحاب الشافعي وداود في آخر آمره أنها سنة ليست واجبة قالوا ومعنى فرض قدر على سبيل الندب وقال أبو حنيفة هي واجبة ليست فرضا بناء على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض قال القاضي وقال بعضهم الفطرة منسوخة بالزكاة قلت هذا غلط صريح والصواب أنها فرض واجب قوله ( من رمضان ) اشارة إلى وقت وجوبها وفيه خلاف للعلماء فالصحيح من قول الشافعي أنها تجب بغروب الشمس ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر والثاني تجب لطلوع الفجر ليلة العيد وقال أصحابنا تجب بالغروب والطلوع معا فان ولد بعد الغروب أو مات قبل الطلوع لم تجب وعن مالك روايتان كالقولين وعند أبي حنيفة تجب بطلوع الفجر قال المازرى قيل ان هذا الخلاف مبنى على أن قوله الفطر من رمضان هل المراد به الفطر المعتاد في سائر الشهر فيكون الوجوب بالغروب أو الفطر الطارئ بعد ذلك فيكون بطلوع الفجر قال المازرى وفي قوله الفطر من رمضان دليل لمن يقول لا تجب الا على من صام من رمضان ولو يوما واحدا قال وكان سبب هذا أن العبادات التي تطول ويشق التحرز منها من أمور تفوت كمالها جعل الشرع فيها كفارة مالية بدل النقص كالهدى في الحج والعمرة وكذا الفطرة لما يكون في الصوم من لغو وغيره وقد جاء في حديث آخر أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث واختلف العلماء أيضا في اخراجها عن الصبى فقال الجمهور يجب اخراجها للحديث المذكور بعد هذا صغير أو كبير وتعلق من لم يوجبها بأنها تطهير والصبى ليس محتاجا إلى التطهير لعدم الاثم وأجاب الجمهور عن هذا بأن التعليل
(7/58)

بالتطهير لغالب الناس ولا يمتنع أن لا يوجد التطهير من الذنب كما أنها تجب على من لا ذنب له كصالح محقق الصلاح وككافر أسلم قبل غروب الشمس بلحظة فانها تجب عليه مع عدم الاثم وكما أن القصر في السفر جوز للمشقة فلو وجد من لا مشقة عليه فله القصر وأما قوله صلى الله عليه و سلم على كل حر أو عبد فان داود أخذ بظاهره فأوجبها على العبد بنفسه وأوجب على السيد تمكينه من كسبها كما يمكنه من صلاة الفرض ومذهب الجمهور وجوبها على سيده عنه وعند أصحابنا في تقديرها وجهان أحدهما أنها تجب على السيد ابتداء والثاني تجب على العبد ثم يحملها عنه سيده فمن قال بالثاني فلفظه على على ظاهرها ومن قال بالأول قال لفظه على بمعنى عن وأما قوله على الناس على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى ففيه دليل على أنها تجب على أهل القرى والأمصار والبوادى والشعاب وكل مسلم حيث كان وبه قال مالك وأبوحنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء وعن عطاء والزهرى وربيعة والليث أنها لا تجب الا على أهل الأمصار والقرى دون البوادى وفيه دليل للشافعى والجمهور في أنها تجب على من ملك فاضلا عن قوته وقوت عياله يوم العيد وقال أبو حنيفة لا تجب على من يحل له أخذ الزكاة وعندنا أنه لو ملك من الفطرة المعجلة فاضلا عن قوته ليلة العيد ويومه لزمته الفطرة عن نفسه وعياله وعن مالك واصحابه في ذلك خلاف وقوله ذكر أو أنثى حجة للكوفيين في أنها تجب على الزوجة في نفسها ويلزمها اخراجها من مالها وعند مالك والشافعي والجمهور يلزم الزوج فطرة زوجته لأنها تابعة للنفقة وأجابوا عن الحديث بما سبق في الجواب لداود في فطره العيد وأما قوله من المسلمين فصريح في أنها لا تخرج الا عن مسلم فلا يلزمه عن عبده وزوجته وولده ووالده الكفار وان وجبت عليه نفقتهم وهذا مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء وقال الكوفيون وإسحاق وبعض السلف تجب عن العبد الكافر وتأول الطحاوى قوله من المسلمين على أن المراد بقوله من المسلمين السادة
(7/59)

دون العبيد وهذا يرده ظاهر الحديث وأما قوله صاعا من كذا وصاعا من كذا ففيه دليل على أن الواجب في الفطرة عن كل نفس صاع فان كان في غير حنطه وزبيب وجب صاع بالاجماع وان كان حنطة وزبيبا وجب أيضا صاع عند الشافعي ومالك والجمهور وقال أبو حنيفة وأحمد نصف صاع بحديث معاوية المذكور بعد هذا وحجة الجمهور حديث أبي سعيد بعد هذا في قوله صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب والدلالة فيه من وجهين أحدهما أن الطعام في عرف أهل الحجاز اسم للحنطة خاصة لا سيما وقد قرنه بباقي المذكورات والثاني أنه ذكر أشياء قيمها مختلفة وأوجب في كل نوع منها صاعا فدل على أن المعتبر صاع ولا نظر إلى قيمته ووقع في رواية لأبي داود أوصاعا من حنطة قال وليس بمحفوظ وليس للقائلين بنصف صاع حجة الا حديث معاوية وسنجيب عنه ان شاء الله تعالى واعتمدوا أحاديث ضعيفة ضعفها أهل الحديث وضعفها بين قال القاضي واختلف في النوع المخرج فأجمعوا أنه يجوز البر والزبيب والتمر والشعير الا خلافا في البر لمن لا يعتد بخلافه وخلافا في الزبيب لبعض المتأخرين وكلاهما مسبوق بالاجماع مردود به وأما الأقط فأجازه مالك والجمهور ومنعه الحسن واختلف فيه قول الشافعي وقال أشهب لا تخرج الا هذه الخمسة وقاس مالك على الخمسة كل ما هو عيش أهل كل بلد من القطانى وغيرها وعن مالك قول آخر أنه لا يجزى غير المنصوص في الحديث وما في معناه ولم يجز عامة الفقهاء اخراج
(7/60)

القيمة وأجازه أبو حنيفة قلت قال أصحابنا جنس الفطرة كل حب وجب فيه العشر ويجزى الأقط على المذهب والأصح أنه يتعين عليه غالب قوت بلده والثاني يتعين قوت نفسه والثالث يتخير بينهما فان عدل عن الواجب إلى أعلى منه أجزأه وان عدل إلى ما دونه لم يجزه قوله ( من المسلمين ) قال أبو عيسى الترمذى وغيره هذه اللفظة انفرد بها مالك دون سائر أصحاب نافع وليس كما قالوا ولم ينفرد بها مالك بل وافقه فيها ثقتان وهما الضحاك بن عثمان وعمر بن نافع فالضحاك ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه وأما عمر ففي البخارى قوله عن معاوية أنه كلم الناس على المنبر فقال انى أرى أن مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدا ما عشت فقوله سمراء الشام هي الحنطة وهذا الحديث هو الذي يعتمده أبو حنيفة وموافقوه في جواز نصف صاع حنطة والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابى وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي صلى الله عليه و سلم واذا اختلفت الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض فنرجع إلى دليل آخر وجدنا ظاهر الأحاديث والقياس متفقا على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها فوجب اعتماده وقد صرح معاوية بأنه رأى رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه و سلم ولو كان عند أحد من حاضرى مجلسه مع كثرتهم في تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي صلى الله عليه و سلم لذكره كما جرى
(7/61)

لهم في غير هذه القصة [ 985 ] قوله في حديث أبي سعيد ( أو صاعا من أقط ) صريح في اجزائه وابطال لقول من منعه قوله ( حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال أخبرني عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أنه سمع أبا سعيد الخدرى ) هذا الحديث مما استدركه الدارقطنى على مسلم فقال خالف سعيد بن مسلمة معمرا فيه فرواه عن إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض قال الدارقطنى والحديث محفوظ عن الحارث قلت وهذا الاستدراك ليس بلازم فان إسماعيل بن أمية صحيح السماع عن عياض والله أعلم وقوله ( بن أبي ذباب ) هو بضم الذال المعجمة وبالباء الموحدة قوله ( عن كل صغير وكبير حر ومملوك
(7/62)

فيه دليل على وجوبها على السيد عن عبده لا على العبد نفسه وقد سبق الكلام فيه ومذاهبهم بدلائلها [ 986 ] قوله ( أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) فيه دليل للشافعي والجمهور في أنه لا يجوز تأخير الفطرة عن يوم العيد وأن الأفضل اخراجها قبل الخروج إلى المصلى والله أعلم
(7/63)



الموضوع التالي


( باب اثم مانع الزكاة )

الموضوع السابق


كتاب الزكاة