( باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف )
 
[ 993 ] قوله عز و جل ( أنفق أنفق عليك ) هو معنى قوله عز و جل وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فيتضمن الحث على الانفاق معنى في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله تعالى قوله صلى الله عليه و سلم ( يمين الله ملأى وقال بن نمير ملآن هكذا وقعت رواية بن نمير بالنون قالوا وهو غلط منه وصوابه ملأى كما في سائر الروايات ثم ضبطوا رواية بن نمير من وجهين أحدهما اسكان اللام وبعدها همزة والثاني ملان بفتح اللام بلا همز قوله صلى الله عليه و سلم
(7/79)

( يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار ) ضبطوا سحاء بوجهين أحدهما سحاء بالتنوين على المصدر وهذا هو الأصح الأشهر والثاني حكاه القاضي سحاء بالمد على الوصف ووزنه فعلاء صفة لليد والسح الصب الدائم والليل والنهار في هذه الرواية منصوبان على الظرف ومعنى لا يغيضها شيء أي لا ينقصها يقال غاض الماء وغاضه الله لازم ومعتد قال القاضي قال الامام المازرى هذا مما يتأول لان اليمين اذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها البارى سبحانه وتعالى لأنها تتضمن اثبات الشمال وهذا يتضمن التحديد ويتقدس الله سبحانه عن التجسيم والحد وانما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بما يفهمونه وأراد الاخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الانفاق ولا يمسك خشية الاملاق جل الله عن ذلك وعبر صلى الله عليه و سلم عن توالى النعم بسح اليمين لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه قال ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد لا يختلف ضعفا وقوة وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة ولا تختلف قوة وضعفا كما يختلف فعلنا باليمين والشمال تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين وأما قوله صلى الله عليه و سلم في الرواية الثانية وبيده الأخرى القبض فمعناه أنه وان كانت قدرته سبحانه وتعالى واحدة فانه يفعل بها المختلفات ولما كان ذلك فينا لا يمكن الا بيدين عبر عن قدرته على التصرف في ذلك باليدين ليفهمهم المعنى المراد بما اعتادوه من الخطاب على سبيل المجاز هذا آخر كلام المازرى قوله في رواية محمد بن رافع ( لا يغيضها سحاء الليل والنهار ) ضبطناه بوجهين نصب الليل
(7/80)

والنهار ورفعهما النصب على الظرف والرفع على أنه فاعل قوله صلى الله عليه و سلم ( وبيده الأخرى القبض يخفض ويرفع ) ضبطوه بوجهين أحدهما الفيض بالفاء والياء المثناة تحت والثاني القبض بالقاف والباء الموحدة وذكر القاضي أنه بالقاف وهو الموجود لأكثر الرواة قال وهو الأشهر والمعروف قال ومعنى القبض الموت وأما الفيض بالفاء فالاحسان والعطاء والرزق الواسع قال وقد يكون بمعنى القبض بالقاف أي الموت قال البكراوى والفيض الموت قال القاضي قيس يقولون فاضت نفسه بالضاد اذا مات وطى يقولون فاظت نفسه بالظاء وقيل اذا ذكرت النفس فبالضاد واذا قيل فاظ من غير ذكر النفس فبالظاء وجاء في رواية أخرى وبيده الميزان يخفض ويرفع فقد يكون عبارة عن الرزق ومقاديره وقد يكون عبارة عن جملة المقادير ومعنى يخفض ويرفع قيل هو عبارة عن تقدير الرزق يقتره على من يشاء ويوسعه على من يشاء وقد يكونان عبارة عن تصرف المقادير بالخلق بالعز والذل والله أعلم