( باب فضل النفقة والصدقة على الاقربين والزوج والأولاد )
 
( والوالدين ولو كانوا مشركين ) [ 998 ] قوله ( وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ) اختلفوا في ضبط هذه اللفظة على أوجه قال القاضي رحمه الله روينا هذه اللفظة عن شيوخنا بفتح الراء وضمها مع كسر الباء وبفتح الباء والراء قال الباجى قرأت هذه اللفظة على أبي ذر البروى بفتح الراء على كل حال قال وعليه أدركت أهل العلم والحفظ بالمشرق وقال لي الصورى هي بالفتح واتفقا على أن من رفع الراء وألزمها حكم الاعراب فقد أخطأ قال وبالرفع قرأناه على شيوخنا بالأندلس وهذا الموضع يعرف بقصر بنى جديلة قبلى المسجد وذكر مسلم رواية حماد بن سلمة هذا الحرف بريحاء بفتح الباء وكسر الراء وكذا سمعناه من أبي بحر عن العذرى والسمرقندى وكان عند بن سعيد عن البحرى من رواية حماد بيرحاء بكسر الباء وفتح الراء وضبطه الحميدى من رواية حماد بيرحاء بفتح الباء والراء ووقع في كتاب أبي داود جعلت أرضى باريحا لله وأكثر رواياتهم في هذا الحرف بالقصر ورويناه عن بعض شيوخنا بالوجهين وبالمد وجدته بخط الأصيلى وهو حائط يسمى بهذا الاسم وليس اسم بئر والحديث يدل عليه والله أعلم هذا آخر كلام القاضي قوله ( قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ان الله تعالى يقول في كتابه ) إلى آخره فيه دلالة للمذهب الصحيح وقول الجمهور انه يجوز أن يقال ان الله يقول كما يقال ان الله قال وقال مطرف بن عبد الله بن شخير التابعي
(7/84)

لا يقال الله يقول وانما يقال قال الله أو الله قال ولا يستعمل مضارعا وهذا غلط والصواب جوازه وقد قال الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدى السبيل وقد تظاهرت الاحاديث الصحيحة باستعمال ذلك وقد أشرت إلى طرف منها في كتاب الأذكار وكأن من كرهه ظن أنه يقتضى استئناف القول وقول الله تعالى قديم وهذا ظن عجيب فان المعنى مفهوم ولا لبس فيه وفي هذا الحديث استحباب الانفاق مما يحب ومشاورة أهل العلم والفضل في كيفية الصدقات ووجوه الطاعات وغيرها قوله صلى الله عليه و سلم ( بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح ) قال أهل اللغة يقال بخ باسكان الخاء وتنوينها مكسورة وحكى القاضي الكسر بلا تنوين وحكى الأحمر التشديد فيه قال القاضي وروى بالرفع فاذا كررت فالاختيار تحريك الأول منونا واسكان الثاني قال بن دريد معناه تعظيم الأمر وتفخيمه وسكنت الخاء فيه كسكون اللام في هل وبل ومن قال بخ بكسره منونا شبهه بالأصوات كصه ومه قال بن السكيت بخ بخ وبه به
(7/85)

بمعنى واحد وقال الداودى بخ كلمة تقال اذا حمد الفعل وقال غيره تقال عند الاعجاب وأما قوله صلى الله عليه و سلم مال رابح فضبطناه هنا بوجهين بالياء المثناة وبالموحدة وقال القاضي روايتنا فيه في كتاب مسلم بالموحدة واختلفت الرواة فيه عن مالك في البخارى والموطأ وغيرهما فمن رواه بالموحدة فمعناه ظاهر ومن رواه رايح بالمثناة فمعناه رايح عليك أجره ونفعه في الآخرة وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما سبق من أن الصدقة على الأقارب أفضل من الاجانب اذا كانوا محتاجين وفيه أن القرابة يرعى حقها في صلة الارحام وان لم يجتمعوا الا في أب بعيد لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في الأقربين فجعلها في أبي بن كعب وحسان بن ثابت وانما يجتمعان معه في الجد السابع [ 999 ] قوله صلى الله عليه و سلم في قصة ميمونة حين أعتقت الجارية ( لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ) فيه فضيلة صلة الأرحام والاحسان إلى الاقارب وأنه أفضل من العتق وهكذا وقعت هذه اللفظة في صحيح مسلم أخوالك باللام ووقعت في رواية غير الأصيلى في البخارى وفي رواية الأصيلى أخواتك بالتاء قال القاضي ولعله أصح بدليل رواية مالك في الموطأ أعطيتها أختك قلت الجميع صحيح ولا تعارض وقد قال صلى الله عليه و سلم ذلك كله وفيه الاعتناء بأقارب الأم اكراما بحقها وهو زيادة في برها وفيه جواز تبرع المرأة بما لها بغير اذن زوجها [ 1000 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( يا معشر النساء تصدقن ) فيه أمر ولى الأمر رعيته بالصدقة وفعال الخير ووعظه النساء اذا لم يترتب عليه فتنة والمعشر الجماعة الذين صفتهم واحدة قوله صلى الله عليه و سلم ( ولو من حليكن ) هو بفتح الحاء واسكان اللام مفرد وأما الجمع فيقال بضم الحاء
(7/86)

وكسرها واللام مكسورة فيهما والياء مشددة قولها ( فان كان ذلك يجزى عنى ) هو بفتح الياء أي يكفى وكذا قولها بعد أتجزى الصدقة عنهما بفتح التاء وقولها ( أتجزى الصدقة عنهما على زوجيهما ) هذه أفصح اللغات فيقال على زوجيهما وعلى زوجهما وعلى أزواجهما وهي أفصحهن وبها جاء القرآن العزيز في قوله تعالى فقد صغت قلوبكما وكذا قولها ( وعلى أيتام في حجورهما ) وشبه ذلك مما يكون لكل واحد من الأثنين منه واحد قولهما ( ولا تخبر من نحن ثم أخبر بهما ) قد يقال أنه اخلاف للوعد وافشاء للسر وجوابه أنه عارض ذلك جواب رسول الله صلى الله عليه و سلم وجوابه صلى الله عليه و سلم واجب محتم لا يجوز تأخيره ولا يقدم عليه غيره وقد تقرر أنه اذا تعارضت المصالح بدئ بأهمها قوله صلى الله عليه و سلم ( لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة
(7/87)

فيه الحث على الصدقة على الأقارب وصلة الأرحام وأن فيها أجرين قوله ( فذكرت لابراهيم فحدثنى عن أبي عبيدة ) القائل فذكرت لابراهيم هو الأعمش ومقصوده أنه رواه عن شيخين شقيق وأبي عبيدة وهذا المذكور في حديث امرأة بن مسعود والمرأة الأنصارية من النفقة على أزواجهما وأيتام في حجورهما ونفقة أم سلمة على بنيها المراد به كله صدقة تطوع وسياق الأحاديث يدل عليه [ 1002 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ان المسلم اذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة ) فيه بيان أن المراد بالصدقة والنفقة المطلقة في باقي الأحاديث اذا احتسبها ومعناه أراد بها وجه الله تعالى
(7/88)

فلا يدخل فيه من أنفقها ذاهلا ولكن يدخل المحتسب وطريقه في الاحتساب أن يتذكر أنه يجب عليه الانفاق على الزوجة وأطفال أولاده والمملوك وغيرهم ممن تجب نفقته على حسب أحوالهم واختلاف العلماء فيهم وأن غيرهم ممن ينفق عليه مندوب إلى الانفاق عليهم فينفق بنية أداء ما أمر به وقد أمر بالاحسان اليهم والله أعلم [ 1003 ] قوله ( عن أسماء بنت أبي بكر قالت قدمت على أمي وهي راهبة أو راغبة ) وفي الرواية الثانية راغبة بلا شك وفيها وهي مشركة فقلت للنبي صلى الله عليه و سلم أفأصل أمي قال نعم صلى أمك قال القاضي الصحيح راغبة بلا شك قال قيل معناه راغبة عن الاسلام وكارهة له وقيل معناه طامعة فيما أعطيتها حريصة عليه وفي رواية أبي داود قدمت على أمى راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة فالأول راغبة بالباء أي طامعة طالبة صلتى والثانية بالميم معناه كارهة للاسلام ساخطته وفيه جواز صلة القريب المشرك وأم أسماء اسمها قيلة وقيل قتيلة بالقاف وتاء مثناة من فوق وهي قيلة بنت عبد العزى القرشية العامرية واختلف العلماء في أنها أسلمت أم ماتت على كفرها والأكثرون على موتها مشركة