( باب أجر الخازن الأمين والمرأة اذا تصدقت من بيت زوجها ) |
( غير مفسدة باذنه الصريح والعرفى ) [ 1024 ] قوله صلى الله عليه و سلم في الخازن الأمين الذي يعطى ما أمر به أحد المتصدقين وفي رواية ( أذا انفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا ) وفي رواية من طعام زوجها وفي رواية في العبد اذا أنفق من مال مواليه قال الأجر بينكما نصفان وفي رواية ولاتصم المرأة وبعلها شاهد الا باذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد الا باذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فان نصف أجره له معنى هذه الأحاديث أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر ومعنى المشاركة أن له اجرا كما لصاحبه أجر وليس معناه أن يزاحمه في أجره والمراد المشاركة في أصل الثواب
(7/111) فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب وان كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء بل قد يكون ثواب هذا أكثر وقد يكون عكسه فاذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق الصدقة على باب داره أو نحوه فأجر المالك أكثر وان أعطاه رمانة أو رغيفا ونحوهما مما ليس له كثير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشى الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرمانة والرغيف فأجر الوكيل أكثر وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلا فيكون مقدار الاجر سواء وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( الأجر بينكما نصفان ) فمعناه قسمان وان كان أحدهما أكثركما قال الشاعر ... اذا مت كان الناس نصفان بيننا ... ( وأشار القاضي إلى أنه يحتمل أيضا أن يكون سواء لأن الأجر فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الاعمال بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والمختار الأول وقوله صلى الله عليه و سلم الاجر بينكما ليس معناه أن الأجر الذي لاحدهما يزدحمان فيه بل معناه أن هذه النفقة والصدقة التي أخرجها الخازن أو المراة أو المملوك ونحوهم باذن المالك يترتب على جملتها ثواب على قدر المال والعمل فيكون ذلك مقسوما بينهما لهذا نصيب بماله ولهذا نصيب بعمله فلا يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله واعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن وللزوجة والمملوك من اذن المالك في ذلك فان لم يكن اذن اصلا فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير اذنه والاذن ضربان أحدهما الاذن الصريح في النفقة والصدقة والثاني الاذن المفهوم من اطراد العرف والعادة كاعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطرد العرف فيه وعلم بالعرف رضاء الزوج والمالك به فاذنه في ذلك حاصل وان لم يتكلم وهذا اذا علم رضاه لاطراد العرف وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به فان اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شخصا يشح بذلك وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله الا بصريح اذنه وأما قوله صلى الله عليه و سلم ( وما أنفقت من كسبه من غير أمره فان نصف أجره له ) فمعناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها اذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره وذلك الاذن الذي قد بيناه سابقا اما بالصريح واما بالعرف ولابد من هذا التأويل لأنه صلى الله عليه و سلم جعل ) (7/112) الأجر مناصفة وفي رواية أبى داود فلها نصف أجره ومعلوم أنها اذا أنفقت من غير اذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر فتعين تأويله واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة فان زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه و سلم اذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فأشار صلى الله عليه و سلم إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس وفي كثير من الأحوال واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وبن سبيل ونحوهما وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف والله أعلم وقوله صلى الله عليه و سلم ( الخازن المسلم الأمين ) إلى آخره هذه الأوصاف شروط لحصول هذا الثواب فينبغى أن يعتنى بها ويحافظ عليها قوله صلى الله عليه و سلم ( أحد المتصدقين ) هو بفتح القاف على التثنية ومعناه له أجر متصدق وتفصيله كما سبق وقوله صلى الله عليه و سلم ( اذا أنفقت المرأة من طعام بيتها ) أي من طعام زوجها الذي في بيتها كما صرح به في الرواية الأخرى قوله صلى الله عليه و سلم ( اذا أنفقت المرأة من بيتها زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله بما اكتسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينتقص من أجورهم (7/113) شيئا ) هكذا وقع في جميع النسخ شيئا بالنصب فيقدر له ناصب فيحتمل أن يكون تقديره من غير أن ينقص الله من أجورهم شيئا ويحتمل أن يقدر من غير أن ينقص الزوج من أجر المرأة والخازن شيئا وجمع ضميرهما مجازا على قول الأكثرين ان أقل الجمع ثلاثة أو حقيقة على قول من قال أقل الجمع اثنان [ 1025 ] قوله ( مولى آبى اللحم ) هو بهمزة ممدودة وكسر الباء قيل لأنه كان لا يأكل اللحم وقيل لا يأكل ما ذبح للاصنام واسم آبى اللحم عبد الله وقيل خلف وقيل الحويرث الغفارى وهو صحابى استشهد يوم حنين روى عمير مولاه قوله ( كنت مملوكا فسألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أأتصدق من مال موالى بشيء قال نعم الأجر بينكما نصفان ) هذا محمول على ما سبق أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به وقوله ( أمرنى مولاى أن أقدد لحما فجاءنى مسكين فأطعمته فعلم ذلك مولاى فضربنى فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فدعاه فقال لم ضربته فقال يعطى طعامى بغير أن آمره فقال الأجر بينكما ) هذا محمول على أن عميرا تصدق بشيء يظن أن مولاه يرضى به ولم يرض به مولاه فلعمير أجر لأنه فعل شيئا يعتقد طاعة بنية الطاعة ولمولاه أجر لأن ماله تلف عليه ومعنى الأجر بينكما أي لكل منكما أجر وليس المراد أن أجر نفس المال يتقاسمانه وقد سبق بيان هذا قريبا فهذا الذي ذكرته من تأويله هو المعتمد وقد وقع (7/114) في كلام بعضهم ما لا يرتضى من تفسيره وقله صلى الله عليه و سلم ( لا تصم المرأة وبعلها شاهد الا باذنه ) هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين وهذا النهى للتحريم صرح به أصحابنا وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخى فان قيل فينبغى أن يجوز لها الصوم بغير اذنه فان أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة لأنه يهاب انتهاك الصوم بالافساد وقوله صلى الله عليه و سلم وزوجها شاهد أي مقيم في البلد أما اذا كان مسافرا فلها الصوم لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع اذا لم تكن معه [ 1026 ] قوله صلى الله عليه و سلم ( ولا تأذن في بيته وهو شاهد الا باذنه ) فيه اشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكى البيوت وغيرها بالاذن في أملاكهم الا باذنهم وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به فان علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز كما سبق في النفقة |