( باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع )
 
[ 1045 ] قوله ( سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعطينى العطاء فأقول اعطه أفقر إليه منى حتى أعطاني مرة مالا فقلت أعطه أفقر إليه منى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم خذه وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا فلا تتبعه نفسك ) هذا الحديث فيه منقبة لعمر رضي الله عنه وبيان فضله وزهده وايثاره والمشرف إلى الشيء هو المتطلع إليه الحريص عليه ومالا فلا تتبعه نفسك معناه ما لم يوجد فيه هذا الشرط لا تعلق النفس به واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب على
(7/134)

ثلاثة مذاهب حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى وآخرون والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحب في غير عطية السلطان وأما عطية السلطان فحرمها قوم وأباحها قوم وكرهها قوم والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت وكذا ان أعطى من لا يستحق وان لم يغلب الحرام فمباح ان لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ وقالت طائفة الأخذ واجب من السلطان وغيره وقال آخرون هو مندوب في عطية السلطان دون غيره والله أعلم قوله ( وحدثنى أبو الطاهر أخبرنا بن وهب قال عمرو وحدثنى بن شهاب بمثل ذلك عن السائب بن يزيد عن عبد الله بن السعدى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ) هكذا وقع هذا الحديث وقوله قال عمرو معناه قال قال عمرو فحذف كتابه قال ولا بد للقارئ من النطق بقال مرتين وانما حذفوا احداهما في الكتاب اختصارا وأما قوله قال عمرو وحدثنى فهكذا هو في النسخ وحدثنى بالواو وهو صحيح مليح ومعناه أن عمرا حدث عن بن شهاب بأحاديث عطف بعضها على بعض فسمعها بن وهب كذلك فلما أراد بن وهب رواية غير الأول أتى بالواو العاطفة لأنه سمع غير الأول من عمرو معطوفا بالواو فأتى به كما سمعه وقد سبق بيان هذه المسألة في أول الكتاب والله أعلم واعلم أن هذا الحديث مما استدرك على مسلم قال القاضي عياض قال أبو علي بن السكن بين السائب بن يزيد وعبد الله بن السعدى رجل وهو حويطب بن عبد العزى قال النسائي لم يسمعه السائب من بن السعدى بل انما رواه عن حويطب عنه قال غيره هو محفوظ من طريق عمرو بن الحارث رواه أصحاب شعيب والزبيدى وغيرهما عن الزهري قال أخبرنى السائب بن يزيد أن حويطبا أخبره أن عبد الله بن السعدى أخبره أن عمرا أخبره وكذلك رواه يونس بن عبد الأعلى عن بن وهب هذا كلام القاضي قلت وقد رواه النسائي في سننه كما ذكر عن بن عيينه عن الزهري عن السائب عن حويطب عن بن السعدى عن عمر رضي الله عنه ورويناه عن الحافظ عبد القادر الرهاوى في كتابه الرباعيات قال وقد رواه هكذا عن الزهري محمد بن الوليد والزبيدى وشعيب بن أبي حمزة الحمصيان وعقيل بن خالد ويونس بن يزيد الأيليان وعمرو بن الحارث المصرى والحكم بن عبد الله الحمصى ثم
(7/135)

ذكر طرقهم بأسانيدها مطولة مطرقة كلهم عن الزهري عن السائب عن حويطب عن بن السعدى عن عمر وكذا رواه البخارى من طريق شعيب قال عبد القادر ورواه النعمان بن راشد عن الزهري فأسقط حويطبا ورواه معمر عن الزهري واختلف عنه فيه فرواه عنه سفيان بن عيينه وموسى بن أعين كما رواه الجماعة عن الزهري ورواه بن المبارك عن معمر فأسقط حويطبا كما رواه النعمان بن راشد عن الزهري ورواه عبد الرزاق عن معمر فأسقط حويطبا وبن السعدى ثم ذكر الحافظ عبد القادر طرقهم كذلك قال فهذا ما انتهى من طرق هذا الحديث قال والصحيح ما اتفق عليه الجماعة يعنى عن الزهري عن السائب عن حويطب عن بن السعدى عن عمر وهذا الحديث فيه أربعه صحابيون يروى بعضهم عن بعض وهم عمر وبن السعدى وحويطب والسائب رضي الله عنهم وقد جاءت جملة من الأحاديث فيها أربعة صحابيون يروى بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض وأما بن السعدى فهو أبو محمد عبد الله بن وقدان بن عبد شمس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي بن غالب قالوا واسم وقدان عمرو ويقال عمرو بن وقدان وقال مصعب هو عبد الله بن عمرو بن وقدان ويقال له بن السعدى لأن أباه استرضع في بنى سعد بن بكر بن هوازن صحب بن السعدى رسول الله صلى الله عليه و سلم قديما وقال وفدت في نفر من بنى سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سكن الشام روى عنه السائب بن يزيد وروى عنه جماعات من كبار التابعين وأما حويطب فهو بضم الحاء المهملة أبو محمد ويقال أبو الاصبع حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بن نضر بن مالك بن حنبل بن عامر بن لؤي القرشى العامرى أسلم يوم فتح مكة ولا تحفظ له رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم الا شيء ذكره الواقدى والله أعلم وقد وقع في مسلم بعد هذا من رواية قتيبة قال عن بن الساعدى المالكى فقوله المالكى صحيح منسوب إلى مالك بن
(7/136)

حنبل بن عامر وأما قوله الساعدي فانكروه قالوا وصوابه السعدى كما رواه الجمهور منسوب إلى بنى سعد بن بكر كما سبق والله أعلم قوله ( أمر لي بعمالة ) هي بضم العين وهي المال الذي يعطاه العامل على عمله قوله ( عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فعملنى ) هو بتشديد الميم أي أعطاني أجرة عملي وفي هذا الحديث جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين سواء كانت لدين أو لدنيا كالقضاء والحسبة وغيرهما والله أعلم
(7/137)